تستكشف شركة “نافير” الناشئة في منطقة خليج سان فرانسيسكو مستقبل النقل البحري من خلال تطوير قوارب كهربائية هجينة قادرة على التحليق فوق سطح الماء. تهدف الشركة، التي أسستها سامبريتي باتاتشاريا، إلى إحداث ثورة في النقل التجاري وحتى الاستخدامات العسكرية، وذلك من خلال تقديم بديل فعال من حيث التكلفة وسريع ومريح للقوارب التقليدية. تعتمد هذه التكنولوجيا على مفهوم **القوارب الهيدروفويل** (hydrofoil boats) التي تقلل بشكل كبير من استهلاك الطاقة وتوفر رحلة أكثر استقرارًا.
أعلنت “نافير” مؤخرًا عن ثلاثة نماذج من هذه القوارب الكهربائية الهجينة: قوارب بطول 30 قدمًا و 80 قدمًا و 120 قدمًا. وتزعم الشركة أن كل نموذج يمكن أن يقطع آلاف الأميال البحرية بشحنة واحدة، وذلك بفضل كفاءة التحليق فوق الماء. تأتي هذه التطورات في وقت يتزايد فيه الاهتمام بتقنيات النقل المستدامة، وتسعى فيه العديد من الشركات إلى تطوير حلول صديقة للبيئة.
مستقبل النقل البحري: تقنية القوارب الهيدروفويل
تختلف قوارب “نافير” عن القوارب التقليدية بامتلاكها أجنحة تحت الماء ترفع الهيكل فوق سطح الماء. تؤكد باتاتشاريا أن هذه التقنية تقلل من استهلاك الطاقة بنسبة 90٪ مقارنة بالقوارب التي تعمل بالوقود التقليدي، كما أنها توفر رحلة سلسة ومستقرة حتى في الظروف الجوية الصعبة، مما يقلل من احتمالية الإصابة بدوار البحر. بالإضافة إلى ذلك، تشير الشركة إلى أن تكلفة تشغيل هذه القوارب أقل بعشر مرات من تكلفة القوارب التقليدية.
بدأت اهتمامات باتاتشاريا بالتقنيات البحرية خلال فترة دراستها للدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، حيث عملت على تطوير طائرات بدون طيار تحت الماء. وقبل ذلك، حصلت على منحة من وزارة الطاقة الأمريكية، ودرجة الماجستير في هندسة الطيران والفضاء من جامعة ولاية أوهايو، حيث تدربت في وكالة ناسا وعملت على خوارزميات التحكم في الطيران وأبحاث حول مفاعل نووي دون حرج.
من الطائرات بدون طيار إلى القوارب الهيدروفويل
يعود التحول في تركيز باتاتشاريا إلى عام 2014، عندما اختفت الرحلة الجوية الماليزية رقم MH370. وقالت إن هذا الحدث دفعها إلى التفكير في كيفية تحسين قدرتنا على تتبع الأجسام في المحيطات. وقادتها هذه الفكرة إلى بناء بعض من أولى الطائرات بدون طيار تحت الماء القادرة على رسم خرائط للمحيطات وإجراء عمليات الاستطلاع وفحص خطوط الأنابيب.
أثناء دراستها، طرحت باتاتشاريا سؤالاً رئيسيًا: “لماذا ندفع الماء إذا كان بإمكاننا التحليق فوقه؟”. هذا السؤال كان بمثابة نقطة الانطلاق لتطوير تقنية القوارب الهيدروفويل التي تعتمد عليها “نافير” اليوم. وتعتبر هذه التقنية بمثابة حل واعد لعدة تحديات تواجه صناعة النقل البحري، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الوقود والتأثير البيئي.
تطمح “نافير” إلى إنشاء شبكة نقل بحري مماثلة لخدمات مشاركة الركوب البرية مثل “أوبر”. وتسعى الشركة إلى توفير وسيلة نقل سريعة ومريحة وفعالة من حيث التكلفة، تربط المدن الساحلية وتسهل حركة البضائع والأفراد. وتشير باتاتشاريا إلى أن قاربًا من “نافير” يمكن أن يقطع المسافة بين ريدوود سيتي وبركلي في 20 دقيقة فقط، بدلاً من ساعة ونصف بالقوارب التقليدية.
ليست “نافير” الشركة الوحيدة التي تستكشف إمكانات القوارب الهيدروفويل الكهربائية. فشركة “فيسيف” (Vessev) التي تتخذ من نيوزيلندا مقراً لها، وشركة “كانديلا” (Candela) التي تتخذ من ستوكهولم مقراً لها، تعملان أيضًا على تطوير قوارب مماثلة. ومع ذلك، تتميز “نافير” بتركيزها على بناء القوارب بالكامل داخليًا، مما يمنحها تحكمًا أكبر في جودة المنتج والابتكار.
تأتي إعلانات “نافير” في الوقت الذي أعرب فيه كبار المسؤولين العسكريين عن رغبتهم القوية في الحصول على التكنولوجيا من الشركات الناشئة. وتتعاون “نافير” بالفعل مع البحرية ووزارة الدفاع الأمريكية، مما يجعلها واحدة من الشركات الناشئة ذات الاستخدام المزدوج – أي التي تعمل مع كل من العملاء التجاريين والحكوميين. وتشير باتاتشاريا إلى أن القوارب الهيدروفويل ذات المدى الطويل يمكن أن تكون مفيدة في مناطق مثل البحر الأحمر وبحر الصين الجنوبي، حيث تتطلب العمليات العسكرية القدرة على قطع مسافات طويلة مع تقليل الحاجة إلى التزود بالوقود.
تؤكد باتاتشاريا أن عملها في “نافير” يمثل فرصة كبيرة لإحداث تأثير إيجابي على العالم. وتقول إنها فخورة بكونها قادرة على بناء شيء يمكن أن يغير بشكل جذري الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع العالم. وتعتبر **المركبات البحرية المستدامة** (sustainable marine vehicles) مجالًا واعدًا للنمو والابتكار.
من المتوقع أن تستمر “نافير” في تطوير واختبار نماذجها الأولية من القوارب الهيدروفويل الكهربائية الهجينة. وستركز الشركة على تحسين كفاءة الطاقة وزيادة المدى وتوسيع نطاق تطبيقاتها. وتعتبر الشراكات مع العملاء التجاريين والحكوميين أمرًا بالغ الأهمية لنجاح “نافير” في المستقبل. ويجب مراقبة التقدم المحرز في تطوير هذه التكنولوجيا، والتحديات التنظيمية التي قد تواجهها، والطلب المتزايد على حلول النقل البحري المستدامة.
