على متن الطائرة البابوية، في رحلة العودة من زيارة تاريخية إلى تركيا ولبنان، كشف البابا ليو الرابع عشر يوم الثلاثاء عن مشاعره وتأملاته العميقة خلال لحظة انتخابه البابوي. في حديث عفوي مع الصحفيين، شارك تفاصيل دقيقة لم يسبق له أن تحدث عنها، مسلطًا الضوء على الإيمان والقبول اللذين سادا تلك اللحظات الفارقة في حياته.

لحظة الانتخاب: تسليم الأمر لله

وصف البابا ليو الرابع عشر شعوره عندما بدأت الأصوات تتجه نحوه في المجمع السري. لم يكن الأمر يتعلق بالطموح أو السعي نحو المنصب، بل كان يتعلق بالاستسلام لمسار أراده الله له. “أخذت نفسا عميقا، وقلت: ها نحن ذا يا رب. أنت المسؤول وأنت تقود الطريق.” هذه الكلمات، التي نطق بها في قلب اللحظة، تعكس روحانية عميقة شكلت رؤيته للعالم وخدمته للكنيسة. وتأتي هذه التصريحات لتثري فهمنا لطريقة تفكير البابا الحالي ولقداسة منصبه.

التواضع والروحانية في قلب البابوية

لقد أشار البابا إلى أهمية الروحانية في فهم شخصيته وقراراته. وأوصى بقراءة كتاب “ممارسة حضور الله” للأخ لورانس، الراهب الكرملي، مشيرًا إلى أنه يجسد فكرة تسليم الحياة للرب والسماح له بالقيادة. فهو يؤمن بأن الثقة بالله هي التي قادته خلال التحديات الكبيرة التي واجهها، مثل العيش في بيرو خلال سنوات الإرهاب، والاستجابة لنداء الخدمة في أماكن لم يتوقعها. هذه النظرة تتجلى بشكل واضح في تعامله مع مسؤولياته الجديدة كخليفة القديس بطرس.

ردود فعل على المشهد الإعلامي واللبناني

أظهر البابا ليو الرابع عشر، خلال حديثه، استعدادًا كبيرًا للتفاعل مع وسائل الإعلام والاعتراف بدورها في تفسير أفعاله وردود أفعاله. وعندما سُئل عن تعابير وجهه التي قد يراها الصحفيون مادة للتفسير، ابتسم وقال: “وجهي معبر للغاية، لكني في كثير من الأحيان أستمتع بالطريقة التي يفسر بها الصحفيون وجهي.” وأضاف: “أنت لست على صواب دائمًا”. هذه الروح المرحة والقدرة على رؤية الأمور من منظور مختلف تعكس شخصية متواضعة وقيادية.

لبنان: استقبال حافل ورؤية المسيح

خلال زيارته للبنان، تأثر البابا ليو الرابع عشر بالحشود الكبيرة التي استقبلته. وأكد أن هذا الاستقبال لم يكن مجرد إظهار للمحبة له شخصيًا، بل كان تعبيرًا عن الرغبة في رؤية يسوع المسيح ورسالة السلام التي يحملها. “أفكر في نفسي: هؤلاء الناس موجودون هنا لأنهم يريدون رؤية البابا، ولكنني أقول لنفسي: إنهم هنا لأنهم يريدون رؤية يسوع المسيح ويريدون رؤية رسول السلام.” هذه الرؤية تعكس جوهر رسالته البابوية وتركيزه على الإيمان والمحبة والوحدة. تأثير الزيارة البابوية للبنان كان بالفعل كبيراً، وقد أثر في نفسية البابا بشكل واضح.

قضايا دولية: حوار بدلاً من تهديد

لم يقتصر حديث البابا على الأمور الروحية والشخصية، بل تطرق أيضًا إلى قضايا دولية ملحة. فيما يتعلق بفنزويلا، حث الولايات المتحدة على اتباع مسار الحوار والضغط الاقتصادي بدلاً من التهديد بالتدخل العسكري. “أعتقد أنه من الأفضل البحث عن طرق للحوار، وربما الضغط – بما في ذلك الضغط الاقتصادي – ولكن البحث عن طرق أخرى للتغيير، إذا كان هذا هو ما تريد الولايات المتحدة القيام به.” يُظهر هذا الموقف التزام البابا بمبادئ السلام والعدالة والحلول السلمية للنزاعات. كما أعرب عن أمله في زيارة الجزائر العام المقبل، نظرًا لأهمية دورها في تعزيز العلاقات المسيحية الإسلامية، بالإضافة إلى أهميتها التاريخية بالنسبة للقديس أوغسطين.

خطط مستقبلية: أفريقيا وأمريكا اللاتينية

كشف البابا ليو الرابع عشر عن خططه لزيارة أفريقيا العام المقبل، مع التركيز بشكل خاص على الجزائر. كما أعرب عن أمله في زيارة الأرجنتين وأوروغواي وبيرو في السنوات القادمة، حيث عاش وعمل كمبشر لمدة عقدين. هذه الزيارات تعكس اهتمامه الخاص بالتواصل مع المجتمعات الكاثوليكية في القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية، وتقديم الدعم والتشجيع لهم. هذا التخطيط الدقيق للمسافرات يعكس التزامه بالتواصل مع العالم أجمع وتقديم رسالة المحبة والسلام.

في الختام، ألقى حديث البابا ليو الرابع عشر على متن الطائرة البابوية الضوء على جوانب جديدة من شخصيته وروحانيته، وكشف عن أفكاره وتصوراته حول القضايا الروحية والدولية. إن إيمانه القوي، وتواضعه، والتزامه بالحوار والسلام، كلها عوامل تجعل منه قائدًا دينيًا مؤثرًا وملهمًا في عالمنا اليوم. نتطلع جميعاً لمتابعة مسيرته البابوية ورؤية كيف سيواصل قيادة الكنيسة نحو مستقبل مشرق ومليء بالأمل.

شاركها.