هونغ كونغ في مأزق: حريق مروّع يكشف عن ثغرات في السلامة والفساد المحتمل

تثير كارثة حريق هونغ كونغ، الذي أودى بحياة أكثر من 156 شخصًا، أسئلة مقلقة حول أسباب هذا الحريق المأساوي، وتحديد المسؤولية عن الإهمال الذي أدى إليه، وكيف يمكن منع تكرار مثل هذه المأساة في المستقبل. لم تشهد هونغ كونغ حريقًا بهذا الحجم منذ عقود، وأثار الحادث غضبًا واسع النطاق وتساؤلات حول معايير السلامة في المباني، والفساد المحتمل في قطاع الإنشاءات، وضعف الرقابة الحكومية. هذه الكارثة ليست مجرد حادث مؤسف، بل هي على الأرجح، كما يرى العديد من المحللين، “قمة جبل الجليد” لمشاكل أعمق تتعلق بإدارة المدينة وتنفيذ اللوائح.

تفاصيل مأساة حريق هونغ كونغ

اندلع الحريق في مجمع وانغ فوك السكني بضاحية تاي بو، وسرعان ما انتشر بين سبعة من أربعة أبراج سكنية. في البداية، أشارت السلطات إلى أن الشباك الخضراء المستخدمة في سقالات الخيزران كانت مطابقة لمعايير السلامة. ولكن، سرعان ما تبين أن القضية الرئيسية تكمن في استخدام ألواح رغوية شديدة الاشتعال لإغلاق النوافذ أثناء أعمال الترميم، مما سمح للحريق بالانتشار بسرعة كبيرة بمساعدة الرياح القوية.

التحقيقات تكشف عن إهمال محتمل وتلاعب بالمعايير

لم تقتصر التحقيقات على مواد البناء فحسب، بل امتدت لتشمل عمليات التفتيش والترخيص. فقد كشفت الاختبارات اللاحقة أن سبعة من 20 عينة إضافية لشبكات السلامة التي تم جمعها من الموقع لم تستوف معايير السلامة المطلوبة. وبحسب ما ورد، لجأ المقاولون إلى استخدام شبكات أرخص وأقل جودة من أجل زيادة أرباحهم بعد أن ألحق إعصار ضررًا بشبكات السلامة الأصلية التي تم تركيبها.

حتى الآن، ألقت الشرطة وهيئة مكافحة الفساد في هونغ كونغ القبض على 15 شخصًا، بمن فيهم مقاولون من الباطن، ومديرو شركات بناء واستشارات، وذلك في إطار التحقيق الجاري في أعمال الترميم التي كانت تجري في مجمع وانغ فوك. هذا يشير إلى وجود شبهات بالتلاعب في المناقصات وتجاوز السلامة من أجل تحقيق مكاسب مادية.

الرقابة الحكومية تحت المجهر: هل كانت هناك إشارات تحذيرية؟

تثير هذه المأساة تساؤلات جدية حول فعالية الرقابة الحكومية على قطاع البناء والإنشاءات في هونغ كونغ. فقد تبين أن سكان مجمع وانغ فوك قد أعربوا عن مخاوفهم للسلطات بشأن سلامة مواد البناء المستخدمة في أعمال الترميم، إلا أن هذه المخاوف لم تؤخذ على محمل الجد.

وبحسب الوثائق التي استعرضتها وكالة أسوشيتد برس، قامت وزارة العمل بمراجعة شهادة جودة منتجات السلامة ووجدت أنها “تتوافق” مع المعايير. كما أجرت 16 عملية تفتيش في المجمع منذ العام الماضي، وحذرت المقاولين مرارًا وتكرارًا بضرورة الالتزام بمعايير السلامة من الحرائق. ولكن، يبدو أن هذه التحذيرات لم تكن كافية لمنع الاستخدام غير القانوني لمواد خطرة وتركيب شبكات سلامة دون المستوى المطلوب.

أبعد من مجمع وانغ فوك: مشكلة عامة تتطلب حلولًا جذرية

يؤكد المحللون أن هذه المشكلة تتجاوز مجمع وانغ فوك السكني لتشكل تحديًا أوسع يتعلق بإدارة المدينة وسلامة السكان. ويرى ستيف تسانغ، مدير معهد SOAS الصيني في لندن، أن “السؤال الذي يجب طرحه هو: ما الذي حدث في محكمة وانغ فوك، هل يمكن أن يحدث في مكان آخر؟”.

هناك انتقادات واسعة النطاق لثقافة التلاعب في المناقصات والتواطؤ التي تسود في قطاع البناء في هونغ كونغ، والتي تسمح للمقاولين بتخفيض التكاليف وتقليل معايير السلامة من أجل زيادة أرباحهم. كما أن سلاسل التعاقد من الباطن المتعددة الطبقات تزيد من صعوبة الرقابة وتتبع جودة العمل والمواد المستخدمة.

استجابة الحكومة وتداعياتها السياسية المحتملة

استجابة للضغوط العامة، أعلن الرئيس التنفيذي الإقليمي، جون لي، عن تشكيل لجنة مستقلة برئاسة قاضٍ للتحقيق في الحريق وتقييم الإخفاقات التي أدت إليه. وشدد على الحاجة إلى إصلاح “نظام تجديد المباني بالكامل” لمنع وقوع كوارث مماثلة في المستقبل.

بالتزامن مع ذلك، أوقفت السلطات أعمال الترميم في 28 مشروعًا آخر تديره نفس شركة البناء المتورطة في حريق وانغ فوك. كما بدأ المقاولون الآخرون في إزالة الألواح الرغوية والشبكات المستخدمة لتغطية السقالات في مشاريعهم.

إلا أن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لتهدئة غضب السكان واستعادة ثقتهم في الحكومة. ويقول المحلل السياسي ويلي لام إن “تركيز غضب الناس لا ينصب على أنواع المواد المستخدمة، بل على الافتقار إلى الإشراف والرقابة من الإدارات (الحكومية)”.

مستقبل السلامة في هونغ كونغ: إصلاح شامل أم مجرد إجراءات تجميلية؟

هونغ كونغ تواجه الآن لحظة حاسمة. فهل ستستغل الحكومة هذه المأساة كفرصة لإجراء إصلاحات شاملة في قطاع البناء والإنشاءات، وتعزيز الرقابة، ومحاربة الفساد، وضمان سلامة السكان؟ أم ستكتفي باتخاذ إجراءات تجميلية تهدف إلى استعادة الثقة دون معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة؟

الجواب على هذا السؤال سيحدد مستقبل السلامة في هونغ كونغ، وسيكون له تداعيات سياسية واجتماعية كبيرة على المدينة. فالناخبون الغاضبون قد يبتعدون عن صناديق الاقتراع في انتخابات المجلس التشريعي المقبلة، مما قد يضعف شرعية الحكومة ويقوض نظام الحكم شبه الذاتي في المنطقة.

الكلمات المفتاحية: حريق هونغ كونغ، سلامة المباني، فساد البناء، الرقابة الحكومية، مجمع وانغ فوك، كارثة هونغ كونغ.

دعوة إلى العمل: شارك هذا المقال مع أصدقائك وأفراد عائلتك لتسليط الضوء على هذه القضية المهمة. كما يمكنك التعبير عن رأيك في وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاغ #حريق_هونغ_كونغ.

شاركها.