أرميرو، كولومبيا – لأكثر من أربعة عقود، ظلت مارثا لوسيا لوبيز وغيرُها من الأمهات الكولومبيات يتشبثن بأمل ضئيل، أملاً في لم شملهن مع أبنائهن الذين فُقدوا في كارثة بركان نيفادو ديل رويز عام 1985. هذه المأساة، التي دمرت بلدة أرميرو، تركت وراءها جراحًا عميقة وقصصًا مروية عن الألم والفقد، وخصوصًا عن مصير مئات الأطفال الذين اختفوا في أعقاب الثوران. ولا يزال البحث مستمرًا، مدفوعًا بإصرار لا يلين من قبل العائلات وبعض المنظمات المحلية التي تعمل على كشف الحقيقة وإعادة لم شمل الأسر.
كارثة أرميرو: مأساة لا تُنسى
في ليلة الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1985، تغيرت حياة سكان أرميرو إلى الأبد. ثوران بركان نيفادو ديل رويز أدى إلى انهيار جليدي ضخم اجتاح المدينة، دمرًا كل شيء في طريقه. قُتل ما يقرب من 25 ألف شخص، مما جعلها أسوأ كارثة طبيعية في تاريخ كولومبيا الحديث. وسط الفوضى العارمة، انفصل العديد من الأطفال عن عائلاتهم، ليصبحوا جزءًا من مأساة أكبر.
حجم الفاجعة وتداعياتها الإنسانية
لم تكن الكارثة مجرد خسائر في الأرواح، بل خلفت أزمة إنسانية معقدة. الأمهات والآباء، الذين نجوا بأعجوبة، وجدوا أنفسهم في حالة من اليأس، يبحثون عن فلذات أكبادهم وسط الأنقاض والملاجئ المؤقتة. السرية التي أحاطت بملفات التبني في ذلك الوقت زادت من تعقيد الأمور، مما جعل عملية البحث تكاد تكون مستحيلة. أدت هذه الظروف أيضًا إلى انتشار شائعات حول عمليات اختلاس وتبني غير قانوني للأطفال، مما أثار غضب وحزن العائلات المتضررة.
البحث المستمر عن الأطفال المفقودين
على الرغم من مرور سنوات طويلة، لم تتخلَ العائلات عن أملها في العثور على أبنائهم. مارثا لوسيا لوبيز هي واحدة من هؤلاء الأمهات. أطلقت لوبيز قاربًا في النهر، وهي نفس الطريقة التي كانت تستخدمها العائلات في البحث عن جثث الضحايا بعد الكارثة، لكن هذه المرة كانت تبحث عن بصيص أمل، بحثًا عن ابنها سيرجيو ميليندرو.
قصص مؤلمة من الفقد والأمل
قصة لوبيز ليست الوحيدة. العديد من العائلات الأخرى تعيش نفس المعاناة. بنجامين هيريرا، والد أوسكار فرناندو الذي كان يبلغ من العمر 14 شهرًا وقت وقوع المأساة، يقول: “لقد مرت 40 عامًا من الأمل، وسننتظر بقدر ما يستغرق الأمر.” هذا الإصرار القوي هو ما يدفعهم للاستمرار في البحث، رغم صعوبة الظروف. وقد شاركتهم العديد من العائلات في هذا البحث اليائس، مستخدمين كل الوسائل المتاحة للعثور على أحبائهم.
جهود إعادة لم الشمل والتحديات القائمة
مؤسسة أرماندو أرميرو، وهي منظمة مجتمع مدني، لعبت دورًا حاسمًا في توثيق حالات الأطفال المفقودين ومساعدة العائلات في جهود البحث. حتى الآن، تمكنت المؤسسة من توثيق 580 حالة لطفل مفقود، 71 منهم تم تبنيهم. ونجحت في إعادة لم شمل أربعة أطفال مع عائلاتهم بعد جمع عينات الحمض النووي.
دور الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والمحاكم الكولومبية
المنظمات الدولية مثل الاتحاد الدولي للصليب الأحمر (IFRC) أيضًا شاركت في جهود المساعدة. استقبل الاتحاد الدولي للصليب الأحمر ما لا يقل عن 170 طفلاً من أرميرو بعد الكارثة. ومع ذلك، فإن عملية التبني في ذلك الوقت كانت تخضع لقرارات المحاكم، مما يجعل من الصعب تحديد العدد الدقيق للأطفال الذين تم تبنيهم. كما أن “الكتاب الأحمر” الذي أصدره الاتحاد الدولي للصليب الأحمر، والذي يحتوي على سجلات لبعض الأطفال، لم يكن سجلًا كاملاً، ويعتبر الآن مصدر معلومات قيمة، ولكنه ليس شاملًا.
صعوبات الحصول على المعلومات
أحد أكبر التحديات التي تواجه العائلات والمنظمات هو الحصول على معلومات دقيقة وشاملة. السجلات غير الكاملة والسرية المحيطة بملفات التبني تجعل عملية البحث في غاية الصعوبة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المعلومات قد تكون ضاعت أو تضررت بسبب مرور الوقت والفوضى التي أعقبت الكارثة.
مستقبل البحث عن المفقودين في أرميرو
على الرغم من التحديات الكبيرة، لا يزال هناك أمل في العثور على المزيد من الأطفال المفقودين وإعادة لم شملهم مع عائلاتهم. إعلان رفع السرية عن “الكتاب الأحمر” هو خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، ويمكن أن يوفر معلومات جديدة ومفيدة.
أهمية استخدام التكنولوجيا والتحاليل الجينية
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يلعب استخدام التكنولوجيا والتحاليل الجينية دورًا حاسمًا في تسريع عملية البحث. جمع عينات الحمض النووي من العائلات والأطفال المفقودين يمكن أن يساعد في تحديد الهوية وإعادة لم الشمل. كما أن استخدام قواعد البيانات الرقمية يمكن أن يساعد في تنظيم المعلومات وتسهيل الوصول إليها. يجب أن تتضافر الجهود من قبل العائلات، والمنظمات المحلية والدولية، والحكومة الكولومبية من أجل تحقيق نتائج إيجابية.
الكلمات الختامية
تبقى قصة أرميرو تذكرة مؤلمة بقوة الطبيعة وأهمية الاستعداد للكوارث. والأهم من ذلك، إنها قصة عن الأمل والصمود والإصرار على البحث عن الحقيقة والعدالة. بعد مرور أربعة عقود، لا يزال الأمل يضيء في قلوب هؤلاء الأمهات والآباء الذين يبحثون عن أبنائهم، وهم على استعداد لبذل كل ما في وسعهم للعثور عليهم.
الكلمات المفتاحية الثانوية: بركان نيفادو ديل رويز، التبني في كولومبيا، الكوارث الطبيعية.
