أجرى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين يوم الجمعة، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وتجاهلت الضغوط الدولية المتزايدة لعزل موسكو على خلفية الحرب في أوكرانيا. هذه الزيارة، التي تأتي في ظل سعي المجر لتأمين إمدادات الطاقة، تبرز التحديات التي تواجهها أوروبا في سياستها تجاه روسيا، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء وتزايد الحاجة إلى الوقود. وتأتي هذه المحادثات أيضاً بعد حصول أوربان على إعفاء من العقوبات الأمريكية على بعض شركات الطاقة الروسية، مما يتيح له استئناف استيراد النفط والغاز.
أوربان وبوتين: قمة في موسكو تتجاوز الضغوط الأوروبية
اللقاء بين أوربان وبوتين هو الثاني من نوعه في أقل من عام، مما يعزز فكرة أن المجر تمثل شريكاً مقرباً لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي. تأتي هذه العلاقة في وقت تعارض فيه المجر بشدة جهود الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية، وتصر على أن إمدادات الوقود الأحفوري من روسيا ضرورية لأمنها الاقتصادي.
أكد أوربان خلال المحادثات على وجود “مجالات مهمة للتعاون” بين البلدين، مشدداً على أن المجر لن تتخلى عن هذه المجالات “بغض النظر عن الضغوط الخارجية”. وأضاف أن “الطاقة الروسية تشكل أساس إمدادات الطاقة في المجر، الآن وفي المستقبل”. هذا التصريح يعكس موقفاً ثابتاً للحكومة المجرية تجاه التعامل مع موسكو، حتى في ظل الانتقادات الدولية.
تأمين إمدادات الطاقة: الدافع الرئيسي لزيارة أوربان
الزيارة إلى موسكو تركزت بشكل كبير على تأمين إمدادات الطاقة للمجر، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. بعد حصوله على إعفاء من العقوبات الأمريكية، صرح أوربان بأنه يحتاج الآن إلى النفط والغاز الروسي لضمان استقرار أسعار الطاقة خلال الشتاء والعام المقبل. وشدد على أن التحول إلى مصادر طاقة بديلة قد يتسبب في “انهيار اقتصادي فوري”، وهو ما تسعى المجر إلى تجنبه.
تأثير العقوبات الأمريكية
الإعفاء الذي حصلت عليه المجر من العقوبات الأمريكية على شركتي “لوك أويل” و”روزنفت” يمثل نقطة تحول هامة في سياسة الطاقة المجرية. سمح هذا الإعفاء للمجر باستئناف استيراد النفط من روسيا دون التعرض لعقوبات ثانوية. هذا الأمر يعكس أيضاً نفوذ الإدارة الأمريكية السابقة، التي كانت ترى في استقرار إمدادات الطاقة الأوروبية مصلحة استراتيجية.
خطة ترامب للسلام الأوكرانية: دور محتمل للمجر؟
تزامنت زيارة أوربان إلى موسكو مع الكشف عن خطة جديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا. الخطة، التي وصفتها الإدارة الأمريكية بأنها “مفصلة”، تلقى ترحيباً من قبل روسيا، بينما أثار قلقاً في أوكرانيا وأوساط أوروبية.
من المتوقع أن يرسل ترامب مبعوثًا خاصًا، ستيف ويتكوف، إلى موسكو لمناقشة الخطة مع الرئيس بوتين، بينما سيتوجه وزير الجيش دان دريسكول إلى أوكرانيا للتحدث مع المسؤولين هناك. يجري الحديث عن احتمال لقاء ترامب بكل من بوتين وزيلينسكي في المستقبل، ولكن بعد تحقيق تقدم في المفاوضات.
ردود الفعل الدولية
ردود الفعل على خطة ترامب كانت متباينة. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أجرى مباحثات مع المفاوضين الأمريكيين، بينما أبدت القيادة الأوروبية مخاوفها من أن الخطة قد لا تراعي بشكل كافٍ سيادة أوكرانيا وأمنها.
تطورات ميدانية متصاعدة: هجمات الطائرات المسيرة والهجمات المتبادلة
في الوقت الذي تجري فيه هذه المحادثات الدبلوماسية، تتصاعد التوترات الميدانية في أوكرانيا. أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن دفاعاتها الجوية اعترضت 136 طائرة مسيرة أوكرانية فوق مناطق مختلفة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وقد تسببت بعض هذه الطائرات المسيرة في أضرار مادية في بعض المناطق.
هجمات أوكرانية على الأراضي الروسية
في المقابل، أعلنت هيئة الأركان العامة الأوكرانية عن ضرب مصفاة نفط في منطقة ساراتوف الروسية، مما أدى إلى نشوب حريق كبير. كما شنت أوكرانيا ضربات جوية ضد وحدات الدفاع الجوي الروسية ومخازن الطائرات المسيرة في الأراضي المحتلة.
هجمات روسية على كييف ودنيبرو
شنت روسيا أيضاً هجمات على العاصمة الأوكرانية كييف ومدينة دنيبرو الجنوبية، مما أدى إلى تضرر المباني السكنية وإصابة أربعة أشخاص في كييف. هذه الهجمات المتزامنة تظهر مدى تعقيد الوضع الميداني واستمرار الأعمال العدائية.
مستقبل العلاقات بين المجر وروسيا في ظل التطورات الجارية
زيارة أوربان إلى موسكو ومحادثاته مع بوتين، بالإضافة إلى خطة ترامب للسلام الأوكرانية، تضع مستقبل العلاقات بين المجر وروسيا في خانة المجهول. من جهة، تسعى المجر إلى الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع روسيا، خاصة في مجال الطاقة. ومن جهة أخرى، تواجه المجر ضغوطاً متزايدة من حلفائها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لإعادة النظر في سياساتها تجاه موسكو.
من المرجح أن تستمر المجر في اتباع نهجها البراغماتي في التعامل مع روسيا، مع التركيز على تأمين مصالحها الاقتصادية. ومع ذلك، فإن مدى قدرة المجر على الاستمرار في هذا النهج سيعتمد على التطورات الجارية في أوكرانيا وعلى ردود الفعل الدولية.
الكلمات المفتاحية: فيكتور أوربان، فلاديمير بوتين، أوكرانيا، روسيا، أزمة الطاقة، العقوبات، خطة سلام ترامب، الاتحاد الأوروبي، أمن الطاقة.
