اليمن على مفترق طرق: اتهامات بالضربات الجوية السعودية وتصاعد التوترات في الجنوب

يشهد اليمن تصعيدًا جديدًا في التوترات، حيث اتهم الانفصاليون في الجنوب، ممثلين بالمجلس الانتقالي الجنوبي، المملكة العربية السعودية بشن ضربات جوية على قواتهم في محافظة حضرموت. هذه الاتهامات، التي لم تؤكدها الرياض رسميًا بعد، تأتي في ظل تحذيرات سعودية للقوات الجنوبية بالانسحاب من المحافظات التي سيطرت عليها مؤخرًا، مما يضع التحالف الهش الذي تقوده السعودية في خطر حقيقي. الوضع المتأزم يثير مخاوف بشأن مستقبل الاستقرار في اليمن، ويؤثر على جهود مكافحة الإرهاب، وعلى حركة التجارة في البحر الأحمر الحيوي.

المجلس الانتقالي الجنوبي يتهم السعودية بشن غارات جوية

أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، عن تعرض قواته لضربات جوية سعودية في محافظة حضرموت يوم الجمعة. ووفقًا لتصريح عمرو البيض، الممثل الخاص للمجلس للشؤون الخارجية، فقد كان مقاتلو المجلس يعملون في المنطقة بعد مواجهة “كمائن متعددة” من مسلحين مجهولين، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة 12 آخرين. واضاف البيض أن الضربات الجوية السعودية جاءت بعد تلك الاشتباكات مباشرة.

القناة الفضائية AIC التابعة للمجلس بثّت بدورها ما وصفته بلقطات فيديو هاتفية تُظهر آثار الغارات. في أحد مقاطع الفيديو، سمع رجل يلقي باللوم على الطائرات السعودية في تنفيذ الغارات. ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من السلطات السعودية حول هذه الاتهامات. ومع ذلك، نقلت صحيفة الشرق الأوسط السعودية عن “مصادر مُطلعة” أن الغارات نُفذت بهدف “إرسال رسالة” إلى المجلس الانتقالي الجنوبي. وتؤكد المصادر أن أي تصعيد إضافي سيواجه إجراءات أكثر صرامة.

الخلفية: صعود النفوذ الجنوبي وتصاعد الخلافات

جاء هذا التصعيد بعد قيام المجلس الانتقالي الجنوبي بنشر قواته في محافظتي حضرموت والمهرة في وقت سابق من هذا الشهر. هذا الانتشار أدى إلى طرد القوات التابعة لقوات الدرع الوطني المدعومة من السعودية، وهي مجموعة أخرى من ضمن التحالف المناهض للحوثيين. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة تحدٍ مباشر للنفوذ والسلطة السعودية في الجنوب.

يشهد الجنوب اليمني أيضًا ارتفاعًا في إظهار الدعم لاستعادة دولة جنوب اليمن المستقلة، التي كانت موجودة من عام 1967 إلى 1990. وقد نظم متظاهرون في مدينة عدن الساحلية مظاهرات لدعم المطالبة باستقلال الجنوب، مما يعكس حالة الاستياء والتوتر المتزايدة في المنطقة. ويزيد من تعقيد المشهد السياسي في اليمن وجود التحالف المعقد بين قوى مختلفة، حيث تدعم السعودية والإمارات قوى يمنية متنافسة، وهو ما ينعكس سلبًا على جهود تحقيق الاستقرار.

تداعيات محتملة على المشهد اليمني والإقليمي

ياتي هذا التطور في وقت حرج بالنسبة لليمن، الذي يعاني من حرب أهلية مدمرة منذ عام 2014. الوضع الحالي يهدد بتقويض جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، ويعقد من عملية إيجاد حل سياسي شامل للأزمة. كما أن التصعيد بين السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي قد يؤثر سلبًا على العلاقة بين الرياض وأبوظبي، الحليفتين الوثيقتين في السنوات الأخيرة، اللتين تتقاسمان النفوذ في المنطقة.

الاضطرابات في اليمن قد تلقي بظلالها على الأمن الإقليمي، خاصة مع استمرار الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، والتي تزامنًا مع الحرب الإسرائيلية الحماسية، أدت إلى تعطيل كبير في حركة الملاحة. هذا الوضع قد يدفع الولايات المتحدة، التي شنت ضربات جوية محدودة ضد الحوثيين في وقت سابق من هذا العام، إلى إعادة تقييم دورها في اليمن، وربما إلى زيادة تدخلها العسكري. كما أن التوترات في اليمن تتزامن مع تصاعد العنف في السودان، حيث تدعم السعودية والإمارات أطرافًا متناحرة في الحرب الأهلية. هذه التطورات المتزامنة تُظهر خطورة الوضع الإقليمي، وأهمية العمل على خفض التصعيد وتجنب المزيد من التعقيدات.

ردود الفعل الإقليمية والدولية

أعربت الإمارات العربية المتحدة عن ترحيبها بجهود المملكة العربية السعودية لدعم الأمن والاستقرار في اليمن، مؤكدة التزامها الثابت بدعم كافة المساعي الرامية إلى تعزيز الاستقرار والتنمية في البلاد. ويأتي هذا الإعلان في ظل تلميحات بأن الإمارات تسعى إلى لعب دور الوساطة بين السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

من جانبها، عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء الأحداث الأخيرة في جنوب شرق اليمن، داعيةً إلى الهدوء وضبط النفس، ومواصلة الجهود الدبلوماسية من أجل التوصل إلى حل دائم. وشددت الولايات المتحدة على أهمية الدعم الدبلوماسي من قبل السعودية والإمارات لحل الازمة اليمينية.

مستقبل اليمن معلق

مع استمرار التوترات الجنوبية وتصاعد الخلافات بين الأطراف الفاعلة المختلفة، يبدو مستقبل اليمن أكثر غموضًا من أي وقت مضى. من الضروري أن تبادر الأطراف المعنية إلى الحوار والتفاوض، وأن تعمل على إيجاد حلول سياسية شاملة تعالج جذور الأزمة، وتحقق الأمن والاستقرار لجميع اليمنيين. فاليمن ليس في حاجة إلى المزيد من الصراعات، بل إلى الوحدة والتعاون من أجل بناء مستقبل أفضل. يتطلب ذلك التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف، ودعمًا دوليًا متواصلًا لعملية السلام.

شاركها.