في خطوة مفاجئة، أطلقت السلطات البيلاروسية سراح 123 سجيناً يوم السبت، في صفقة بوساطة أمريكية مقابل تخفيف العقوبات على صادرات الأسمدة. وشمل الإفراج عن سراح هؤلاء السجناء شخصيات بارزة في المعارضة ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، من بينهم الحائز على جائزة نوبل للسلام أليس بيالياتسكي، و ماريا كوليسنيكوفا، وفيكتار باباريكا. هذه التطورات تأتي في ظل ضغوط غربية متزايدة على الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وحكومته التي يصفها الكثيرون بالاستبدادية. يمثل إطلاق السجناء في بيلاروسيا علامة فارقة، لكن يبقى السؤال حول مدى تأثير هذه الخطوة على الوضع السياسي العام في البلاد.

خلفية عن الوضع السياسي في بيلاروسيا والعقوبات الدولية

على مدار ثلاثة عقود، حكم ألكسندر لوكاشينكو بيلاروسيا بقبضة من حديد. واجه نظامه انتقادات حادة بسبب القمع المتزايد للمعارضة، وتقويض الحريات الديمقراطية. أدت هذه السياسات إلى فرض عقوبات دولية متكررة من قبل الغرب، بهدف الضغط من أجل إجراء إصلاحات سياسية واحترام حقوق الإنسان.

علاوة على ذلك، أثارت مساعدة بيلاروسيا لروسيا في غزو أوكرانيا غضب المجتمع الدولي، مما أدى إلى تشديد العقوبات. هذه العقوبات ألحقت ضرراً بالغاً بالاقتصاد البيلاروسي، خاصةً قطاع الأسمدة الذي يعتبر مصدراً رئيسياً للدخل القومي. وقد كانت هذه العقوبات الاقتصادية هي الدافع الرئيسي وراء السعي لإطلاق سراح السجناء، حيث أن تخفيف القيود على صادرات الأسمدة يمثل مكسباً اقتصادياً كبيراً للنظام.

أبرز الشخصيات التي أطلق سراحها

أليس بيالياتسكي، المدافع عن حقوق الإنسان، كان من بين أبرز الأسماء في قائمة المفرج عنهم. حصل بيالياتسكي على جائزة نوبل للسلام عام 2022، تقديراً لجهوده المستمرة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية في بيلاروسيا. كان قد أُدين بتهمة “التهريب” و “تمويل أنشطة تهدد الأمن العام”، وهي تهم نددت بها منظمات حقوق الإنسان باعتبارها ذات دوافع سياسية. بعد 1613 يومًا في السجن، عبر بيالياتسكي عن دهشته من الإفراج عنه، مؤكداً عزمه على مواصلة عمله، والدفاع عن بقية السجناء السياسيين في بيلاروسيا الذين لا يزالون خلف القضبان.

ماريا كوليسنيكوفا، إحدى القيادات البارزة في المعارضة، لعبت دوراً محورياً في تنظيم الاحتجاجات الجماهيرية التي عمت بيلاروسيا عام 2020، والتي اندلعت احتجاجًا على نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها. قبل إدانتها بالسجن 11 عاماً بتهمة “التآمر للاستيلاء على السلطة”، اشتهرت كوليسنيكوفا برمزيتها القوية للمقاومة، بعد محاولتها إجبار السلطات على ترحيلها إلى أوكرانيا، وتمزيق جواز سفرها تعبيراً عن رفضها الخضوع للنظام.

أما فيكتار باباريكا، مصرفي شارك في الانتخابات الرئاسية عام 2020، فقد أُدين بتهم الفساد، التي يراها مراقبون اتهامات ملفقة بهدف إبعاده عن المشهد السياسي. وحُكم عليه بالسجن لمدة 14 عامًا. الإفراج عن باباريكا، إلى جانب مكسيم زناك، المحامي الذي كان جزءًا من فريقه الانتخابي، يمثل خطوة صغيرة نحو الاعتراف بحقوقهم الأساسية.

بالإضافة إلى هؤلاء، تم الإفراج عن الصحفية مارينا زولاتافا، رئيسة تحرير موقع Tut.by الإخباري المستقل، الذي يتعرض لضغوط كبيرة من السلطات. وكانت زولاتافا قد حُكم عليها بالسجن لمدة 12 عامًا بتهمة التحريض على الإضرار بالأمن القومي. هذا الإفراج يمثل بارقة أمل للصحافة المستقلة في بيلاروسيا، التي تواجه قيودًا متزايدة.

من لا يزال خلف القضبان؟

على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، لا يزال هناك عدد كبير من السجناء السياسيين والمعارضين في السجون البيلاروسية. من بين هؤلاء الصحفي أندريه بوكزوبوت، الذي حُكم عليه بالسجن 8 سنوات بسبب تغطيته للاحتجاجات، وناشطتين بارزتين في فياسنا، مارفا رابكوفا و فاليانتسين ستيفانوفيتش. كما يظل إدوارد باباريكا، ابن فيكتور باباريكا، معتقلاً.

تداعيات إطلاق السجناء والمستقبل السياسي لبيلاروسيا

يمثل الوضع في بيلاروسيا تعقيداً كبيراً. إطلاق سراح السجناء هو نتيجة مباشرة للضغوط الاقتصادية والسياسية، وربما يشير إلى رغبة النظام في تحسين صورته على الساحة الدولية. ومع ذلك، فإن بقاء العديد من المعارضين والصحفيين في السجون يظهر أن التغيير الحقيقي لا يزال بعيد المنال.

من المرجح أن تستمر العقوبات الغربية على بيلاروسيا، خاصةً إذا لم يشهد الوضع تحسناً ملموساً في مجال حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية. كما أن دور بيلاروسيا في الحرب الروسية الأوكرانية سيظل عاملاً مهماً في تحديد علاقاتها مع الغرب.

في الختام، إطلاق سراح السجناء هو خطوة إيجابية، ولكنها ليست سوى بداية الطريق نحو التغيير السياسي في بيلاروسيا. يتعين على المجتمع الدولي مواصلة الضغط على النظام البيلاروسي، والمطالبة بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، واحترام حقوق الإنسان، وإجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية. من الضروري متابعة التطورات في بيلاروسيا، وفهم التحديات التي تواجهها، والعمل على دعم الشعب البيلاروسي في سعيه نحو الحرية والديمقراطية.

شاركها.