مع استمرار الأزمة السياسية في ميانمار، تصاعدت حدة المعارضة للحكم العسكري، وبلغت ذروتها في احتجاجات متزامنة يوم الأربعاء، حيث دعا المعارضون إلى مقاطعة الانتخابات المقررة في نهاية الشهر. هذه التحركات تأتي في ظل قمع متزايد وتحديات قانونية صارمة يواجهها النشطاء المؤيدون للديمقراطية. يركز هذا المقال على تفاصيل هذه الاحتجاجات، والاتهامات الموجهة للنشطاء، والجدل الدائر حول شرعية الانتخابات في ميانمار.

دعوة إلى العصيان المدني ومقاطعة الانتخابات

شهدت ميانمار، يوم الأربعاء، مظاهرات حاشدة، وإن كانت بطريقة غير تقليدية، حيث دعا منظمو الإضراب العام إلى “إضراب صامت” يهدف إلى إظهار رفض الشعب للانتخابات التي يرى فيها الكثيرون محاولة من الجيش لتكريس سلطته. الإضراب الصامت، الذي تمثل في بقاء الناس في منازلهم أو أماكن عملهم بين الساعة العاشرة صباحًا والثالثة عصرًا، تزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، مما أضفى عليه رمزية خاصة.

هذه الاستراتيجية ليست جديدة على المعارضة الميانمارية، فقد تم استخدامها في مناسبات سابقة كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج دون مواجهة مباشرة مع قوات الأمن. صور وفيديوهات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت شوارعًا هادئة في يانجون، أكبر مدن البلاد، ومدن أخرى، مما يشير إلى استجابة ملحوظة للدعوة إلى الإضراب.

اتهامات قانونية صارمة ضد نشطاء مؤيدين للديمقراطية

لم يمر الاحتجاج السلمي دون رد فعل من السلطات العسكرية. أعلنت الحكومة العسكرية عن توجيه اتهامات ضد عشرة نشطاء بارزين مؤيدين للديمقراطية، وذلك على خلفية مشاركتهم في احتجاج نادر في مدينة ماندالاي الأسبوع الماضي. تأتي هذه الاتهامات بموجب قانون الانتخابات الجديد، والذي يسمح بفرض عقوبات تصل إلى السجن لمدة عشر سنوات على من يثبت تورطه في تعطيل العملية الانتخابية.

وتتهم السلطات هؤلاء النشطاء بتضليل الجمهور من خلال توزيع منشورات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات في ميانمار في سوق مزدحم بماندالاي في الثالث من ديسمبر. هذا الإجراء يمثل تصعيدًا في حملة القمع التي تستهدف المعارضة، ويؤكد على تصميم الجيش على إخماد أي صوت معارض.

ماندالاي: مركزًا للمقاومة

احتجاج ماندالاي الأسبوع الماضي حظي باهتمام واسع النطاق، ليس فقط بسبب ندرته في ظل الإجراءات الأمنية المشددة، ولكن أيضًا بسبب الشجاعة التي أظهرها النشطاء. فقد قاموا بتوزيع المنشورات وترديد الشعارات دون محاولة إخفاء هوياتهم، وهو ما يعتبر تحديًا مباشرًا للسلطات العسكرية.

ومن بين المتهمين تيزار سان، وهو طبيب تحول إلى ناشط، ويعتبر من قادة الاحتجاجات في ماندالاي منذ أيام قليلة بعد الانقلاب العسكري في عام 2021. كما تشمل القائمة نان لين وخانت واي فيو، وهم نشطاء معروفون بدفاعهم عن حقوق الإنسان والديمقراطية. هؤلاء النشطاء دعوا علنًا إلى رفض الانتخابات في ميانمار، وإلغاء قانون التجنيد العسكري، والإفراج عن السجناء السياسيين.

تهديدات لأصحاب المتاجر وتصاعد القلق

بالتزامن مع الإضراب الصامت، أفادت وسائل الإعلام المستقلة في ميانمار، مثل موقع “صوت بورما الديمقراطي”، بأن السلطات هددت أصحاب المتاجر بالاعتقال إذا أغلقوا أبوابهم استجابة لدعوة المعارضة. هذه التهديدات تثير قلقًا بالغًا بشأن سلامة أصحاب المتاجر، وتؤكد على الضغوط التي يمارسها الجيش على مختلف شرائح المجتمع.

وفي تصريح لـ “أسوشيتد برس”، أكد تايزار سان أن التعبئة العامة، على الرغم من المخاطر، هي الدليل على أن الشعب الميانماري لم يستسلم لآليات القمع العسكرية. وأضاف أن هذه الاحتجاجات هي تعبير عن الإرادة الحرة للشعب، ورغبته في استعادة الديمقراطية.

مستقبل العملية السياسية في ميانمار

تثير هذه التطورات تساؤلات جدية حول مستقبل العملية السياسية في ميانمار. يرى العديد من المراقبين أن الانتخابات في ميانمار المقرر إجراؤها في 28 ديسمبر لن تكون حرة ولا عادلة، وأنها مجرد محاولة من الجيش لإضفاء الشرعية على حكمه. فقد فرض الجيش قيودًا صارمة على الأحزاب السياسية، وقمع المعارضة، وقام باعتقال العديد من النشطاء والسياسيين.

بالإضافة إلى ذلك، يثير قانون الانتخابات الجديد مخاوف بشأن استقلالية المفوضية العليا للانتخابات، وقدرتها على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة. فقد منح القانون الجيش سلطات واسعة في مراقبة العملية الانتخابية، وتحديد نتائجها.

الخلاصة: تحديات مستمرة ومطالب بالديمقراطية

إن الاحتجاجات الأخيرة في ميانمار، والاتهامات الموجهة للنشطاء المؤيدين للديمقراطية، والتهديدات التي تواجه أصحاب المتاجر، كلها مؤشرات على أن الأزمة السياسية في البلاد لا تزال في أوجها. المعارضة الميانمارية مصممة على مواصلة نضالها من أجل استعادة الديمقراطية، ورفض أي محاولة من الجيش لتكريس سلطته.

من الواضح أن الانتخابات في ميانمار أصبحت محورًا رئيسيًا للصراع السياسي، وأن مصيرها سيكون له تأثير كبير على مستقبل البلاد. يتطلب الوضع في ميانمار اهتمامًا دوليًا متزايدًا، وضغوطًا مستمرة على الجيش للامتثال للإرادة الشعبية، واحترام حقوق الإنسان. يجب على المجتمع الدولي أن يدعم جهود المعارضة الميانمارية في سعيها نحو الديمقراطية والحرية.

هل لديك أي أسئلة أخرى أو ترغب في إجراء تعديلات على هذا المقال؟

شاركها.