واشنطن – أثار الهجوم الذي نفذه الجيش الأمريكي على قارب في المياه الدولية بالقرب من فنزويلا، والذي يُزعم أنه كان يحمل مخدرات، عاصفة من الجدل والانتقادات في الكونجرس الأمريكي. وتتعمق التساؤلات حول الأسس القانونية لهذه العملية العسكرية، ومدى توافقها مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان، مع مطالبة المشرعين بالكشف عن تفاصيل إضافية حول الحادث.
تفاصيل الهجوم والجدل الدائر
في الثاني من سبتمبر/أيلول، أطلق الجيش الأمريكي النار على قاربين قبالة سواحل فنزويلا، مدعياً أنهما كانا يحملان مخدرات. هذا الإجراء يمثل سابقة تاريخية، حيث تعد هذه أول مرة تستخدم فيها القوات الأمريكية العسكرية لتفجير سفن يُزعم أنها متورطة في تهريب المخدرات في المياه الدولية. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد أيام، وجه الجيش الأمريكي ضربة ثانية لحطام القارب الأول، مستهدفًا أشخاصًا كانوا يحاولون البقاء على قيد الحياة، مما أدى إلى مقتلهم.
وبحسب التقارير، كان القارب الأول في طريقه للالتقاء بسفينة أخرى متجهة إلى سورينام، بينما كان القارب الثاني يتحرك جنوبًا عندما تعرض للقصف. وقد أثار هذا التسلسل للأحداث قلقًا بالغًا بين أعضاء الكونجرس.
استجوابات الكونجرس وتضارب الروايات
خضع الأدميرال فرانك “ميتش” برادلي، المسؤول الذي أمر بالضربات، لاستجوابات مكثفة من قبل المشرعين الأسبوع الماضي. أكد الأدميرال أنه لم يتلق أمرًا بقتل جميع الناجين، لكنه أوضح أن الهدف كان تدمير المخدرات الموجودة على متن القاربين.
لكن شهادة الأدميرال لم تهدئ المخاوف. النائب آدم سميث، عضو اللجنة العسكرية بمجلس النواب، وصف مقتل الناجين بأنه “مثير للقلق العميق”، مشيرًا إلى أنهم كانوا “ينجرفون في الماء حتى جاءت الصواريخ وقتلتهم”.
في المقابل، يرى السناتور توم كوتون أن تصرفات الناجين، الذين أشار إلى أنهم كانوا يحاولون قلب القارب، تبرر استهدافهم. هذا التضارب في الروايات يعكس عمق الانقسام حول هذه القضية.
الأساس القانوني المثير للجدل
تكمن إحدى النقاط الرئيسية للجدل في الأساس القانوني الذي تستند إليه إدارة ترامب لتنفيذ هذه العمليات العسكرية. فبدون تفويض صريح من الكونجرس، تعتمد الإدارة على تفسير قانوني مثير للجدل، يعتبر المخدرات ومهربي المخدرات تهديدات إرهابية، وبالتالي يمكن استهدافهم بنفس القواعد المتبعة في الحرب ضد الإرهاب.
هذا التحول الجذري في التعامل مع تهريب المخدرات، الذي كان يُنظر إليه تقليديًا على أنه جريمة يعالجها إنفاذ القانون، أثار انتقادات حادة من قبل الخبراء القانونيين والمشرعين الديمقراطيين. مايكل شميت، المحامي السابق بالقوات الجوية، أكد أن “الأشخاص الذين كانوا على متن القارب، من حيث قانون النزاعات المسلحة، ليسوا مقاتلين. كل ما يفعلونه هو نقل المخدرات“.
مطالبات بالكشف عن الوثائق القانونية والتحقيق الكامل
يزداد الضغط على إدارة ترامب للكشف عن الرأي القانوني الكامل الذي يدعم هذه العمليات العسكرية. هذا الرأي، الذي يضم حوالي 40 صفحة من مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل، ظل سريًا حتى وقت متأخر من الشهر الماضي، عندما تم إتاحته للمشرعين.
لكن المشرعين يطالبون بالمزيد. يريدون فهمًا واضحًا للأوامر والتعليمات التي أُعطيت للقوات، بالإضافة إلى تفاصيل حول دور وزير الدفاع مارك إسبر في اتخاذ القرارات. كما يطلبون إصدار أمر تنفيذي مكتوب يحدد قواعد الاشتباك التي يجب على الجنود اتباعها.
السناتور جاك ريد، العضو الأكبر في اللجنة العسكرية بمجلس الشيوخ، وصف عملية الإحاطة بأنه أكدت “أسوأ مخاوفي بشأن طبيعة الأنشطة العسكرية لإدارة ترامب”. وأضاف: “يجب أن يكون هذا، وسيكون، مجرد بداية تحقيقنا في هذا الحادث”.
تداعيات الهجوم واختبار للسياسة الأمريكية
لا تقتصر تداعيات هذه الحوادث على الجدل الداخلي في الولايات المتحدة. فهي تمثل أيضًا اختبارًا للعلاقات المتوترة بين واشنطن وحكومة فنزويلا.
وقد أثارت هذه العمليات العسكرية انتقادات من قبل بعض الشركاء الدوليين للولايات المتحدة، الذين يخشون من أن تشجع على تصعيد العنف وتزعزع الاستقرار في المنطقة.
وبينما يواصل الجيش الأمريكي حملته لمكافحة تهريب المخدرات، يبقى السؤال المركزي هو: إلى أي مدى ستذهب الحكومة الأمريكية في سعيها لتحقيق هذا الهدف؟ وما هي الحدود التي لا ينبغي تجاوزها لحماية حقوق الإنسان والالتزامات القانونية الدولية؟ الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد نطاق هذه العمليات وتأثيرها على مستقبل السياسة الأمريكية في المنطقة.
ساهم في وكالة أسوشيتد برس ماري كلير جالونيك وبن فينلي في واشنطن. (تم تضمين هذه المعلومة من النص الأصلي لضمان الشفافية).
