كوريا الشمالية تتقدم في بناء غواصة نووية وتدعو إلى تعزيز القدرات العسكرية
أظهرت كوريا الشمالية، مؤخرًا، تقدمًا ملحوظًا في برنامجها لتطوير غواصة تعمل بالطاقة النووية، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا على الصعيد الدولي. وكشفت صور نشرتها وسائل الإعلام الرسمية عن هيكل الغواصة مكتملًا إلى حد كبير، بالتزامن مع انتقاد الزعيم كيم جونغ أون لمساعي كوريا الجنوبية للحصول على تكنولوجيا مماثلة، واصفًا إياها بأنها “عمل عدواني”. هذا التطور يمثل خطوة هامة في سعي بيونغ يانغ لتحديث ترسانتها النووية وتعزيز قدراتها البحرية، ويضع المنطقة على حافة تصعيد جديد.
تطوير الغواصة النووية: خطوة حاسمة في التحديث العسكري
أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية (KCNA) بأن كيم جونغ أون قام بزيارة إلى حوض بناء السفن للإشراف على بناء الغواصة التي تصفها كوريا الشمالية بأنها من فئة 8700 طن. وأكد كيم أن هذا المشروع يمثل “خطوة حاسمة” في تحقيق التحديث والتسليح النووي للبحرية الكورية الشمالية. تعتبر الغواصة، التي يشار إليها بـ “غواصة الصواريخ الموجهة الاستراتيجية” أو “غواصة الهجوم النووي الاستراتيجي”، جزءًا من خطة أوسع لتطوير أسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
الصور التي نشرتها الوكالة تظهر سفينة ضخمة ذات لون خمري، مغطاة بطبقة واقية من التآكل، قيد الإنشاء داخل قاعة تجميع. هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها كوريا الشمالية صورًا للغواصة منذ مارس الماضي، حيث كانت تظهر في السابق الأجزاء السفلية فقط من السفينة. يشير هذا التقدم الملحوظ إلى أن العديد من المكونات الأساسية، بما في ذلك المحرك والمفاعل النووي، قد تم تركيبها بالفعل.
تقييم التقدم وتحديات التكنولوجيا
لم يتم تحديد موعد نهائي لإكمال بناء الغواصة، لكن الخبراء يعتقدون أن كوريا الشمالية قد تكون قريبة من إطلاقها في البحر. يقول مون كيون سيك، خبير الغواصات في جامعة هانيانغ في سيول، وهو ضابط غواصة سابق في البحرية الكورية الجنوبية: “يبدو أن عرض السفينة بأكملها يشير الآن إلى أن معظم المعدات قد تم تركيبها بالفعل وأنها على وشك الانطلاق في الماء”.
بناءً على طريقة بناء الغواصات، التي تتم عادةً من الداخل إلى الخارج، فإن إظهار هيكل مكتمل إلى حد كبير يعتبر مؤشرًا إيجابيًا على التقدم المحرز. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه كوريا الشمالية في هذا المجال. فالحصول على التكنولوجيا اللازمة لبناء وتشغيل غواصة تعمل بالطاقة النووية، بما في ذلك المفاعلات النووية وأنظمة الدفع، يتطلب موارد مالية وبحثية هائلة.
ردود الفعل الإقليمية وتصعيد التوترات
أعرب كيم جونغ أون عن قلقه العميق إزاء جهود كوريا الجنوبية للحصول على غواصة تعمل بالطاقة النووية، بدعم من الولايات المتحدة. ووصف هذه الجهود بأنها “عمل عدواني” ينتهك أمن كوريا الشمالية وسيادتها البحرية. ويعتقد أن هذه التصريحات تعكس رغبة كوريا الشمالية في تصعيد التوترات في المنطقة، وتبرير مواصلة تطوير برنامجها النووي.
خلال قمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر الماضي، طلب الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج دعم الولايات المتحدة لجهود كوريا الجنوبية للحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية. وأكد على التزام بلاده بزيادة الإنفاق الدفاعي لتخفيف العبء عن الولايات المتحدة. في المقابل، أعرب ترامب عن انفتاح الولايات المتحدة على تبادل التكنولوجيا مع كوريا الجنوبية، لكن التفاصيل المتعلقة بكيفية الحصول على الوقود النووي والتكنولوجيا المطلوبة لا تزال غير واضحة.
التعاون مع روسيا ودعم التكنولوجيا
يثير التطور في برنامج الغواصات النووية الكوري الشمالي تساؤلات حول مصدر التكنولوجيا والموارد اللازمة. يعتقد بعض الخبراء أن التعاون الأخير بين كوريا الشمالية وروسيا، والذي يشمل إرسال آلاف القوات والمعدات العسكرية لدعم الحرب في أوكرانيا، قد ساعد كوريا الشمالية في الحصول على تقنيات مهمة في المقابل.
هناك تكهنات حول إمكانية حصول كوريا الشمالية على مفاعل نووي من روسيا، ربما من غواصة روسية متقاعدة. لكن مون كيون سيك يعتقد أن كوريا الشمالية قد تكون قد صممت مفاعلها الخاص، مع احتمال تلقي بعض المساعدة التكنولوجية من روسيا. هذا التعاون يثير قلقًا بالغًا، حيث يمكن أن يساعد كوريا الشمالية في تجاوز العقوبات الدولية وتسريع برنامجها النووي.
اختبارات صواريخ جديدة وتصعيد إضافي
بالتزامن مع التقدم في بناء الغواصة النووية، أشرف كيم جونغ أون على اختبارات صواريخ جديدة مضادة للطائرات في البحر. وأكدت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية رصد إطلاق عدة صواريخ من بلدة ساحلية شرقية، وأن وكالات المخابرات الكورية الجنوبية والأمريكية تعمل على تقييم تفاصيل هذه الأسلحة.
هذه التطورات تأتي في وقت متزايد التوترات في شبه الجزيرة الكورية، حيث تواصل كوريا الشمالية تسريع برنامجها النووي العسكري وتعميق تحالفها مع موسكو. كما ترفض حكومة بيونغ يانغ بشكل متكرر دعوات واشنطن وسيول لإحياء المفاوضات الرامية إلى تقليص برامجها النووية والصاروخية، والتي توقفت في عام 2019 بعد فشل القمة مع ترامب.
في الختام، يمثل التقدم الذي أحرزته كوريا الشمالية في بناء غواصة نووية تطورًا مقلقًا للغاية. هذا التطور، بالإضافة إلى اختبارات الصواريخ الجديدة والتعاون المتزايد مع روسيا، يشير إلى أن كوريا الشمالية عازمة على مواصلة تطوير برنامجها النووي وتعزيز قدراتها العسكرية. يتطلب هذا الوضع استجابة دولية موحدة، بما في ذلك الضغط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية، لمنع المزيد من التصعيد وحماية الأمن الإقليمي والعالمي. من الضروري متابعة التطورات عن كثب والعمل على إيجاد حلول سلمية لهذه الأزمة المتفاقمة.
