دير البلح، قطاع غزة (أسوشيتد برس) – كانت طفلة تبلغ من العمر عامين ترقد على بطانية من رقائق الألومنيوم، وقد غطى وجهها بالمرهم لعلاج الحروق التي أصيبت بها، وجسدها الصغير مليء بالندوب الناجمة عن الشظايا. كانت تتلوى، وتتنفس بصعوبة، بينما كان الأطباء يفحصونها والأنبوب الموجود في صدرها.
سوار عبد الهادي أصبحت الآن يتيمة، وهي الناجية الوحيدة من غارة إسرائيلية تستهدف عائلتهم منزلها وسط قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل والديها وشقيقتيها وشقيقها، إلى جانب شقيق والدتها.
وقالت نور عبد الهادي، إحدى خالات سوار من جهة الأب، إن “الأسرة بأكملها كانت تتجمع حول طاولة لتناول الغداء” عندما سقط الصاروخ يوم الثلاثاء في مخيم البريج للاجئين. وتحدثت في مستشفى شهداء الأقصى القريب في دير البلح، حيث هرع الموظفون المنهكون حولها للتعامل مع تدفق الجرحى.
حملة القصف الإسرائيلية الهجمات في غزة لقد خلفت هذه الحرب آلاف الأيتام. وأصبحت حالات مثل حالة سيوار شائعة للغاية، حتى أن الأطباء ابتكروا اختصارًا لها: WCNSF، “طفل جريح، لا أسرة باقية”. وقد قدرت الأمم المتحدة في فبراير/شباط أن نحو 17 ألف طفل في القطاع أصبحوا الآن غير مصحوبين بذويهم، ومن المرجح أن يكون العدد قد ارتفع منذ ذلك الحين.
نادرًا ما يعلق الجيش الإسرائيلي على الضربات الفردية، ويقول إنه يستهدف حماس وتتهم إسرائيل المسلحين بقتل المدنيين لأنهم يعملون في مناطق سكنية وبين السكان. وفي يوم الضربة التي قتلت عائلة سوار، قال الجيش إنه ضرب عشرات الأهداف في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك الهياكل العسكرية ومراكز المراقبة والمسلحين الأفراد.
وتقول إسرائيل إنها مصمم على تدمير حماس بعد هجوم شنه مسلحون في السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيلوقد أسفرت حملتها عن مقتل أكثر من 39100 شخص، وفقًا للإحصاءات. وزارة الصحة بغزةومن بين هؤلاء، تشكل النساء والأطفال نحو نصف القتلى الذين حددت الوزارة هوياتهم بشكل قاطع، ونسبة غير معروفة من نحو عشرة آلاف لم تحدد هوياتهم بعد. وكثيراً ما يقول الأطباء إن الأطفال يشكلون نسبة كبيرة من الجرحى الذين يتدفقون على المستشفيات.
وفي مستشفى كمال عدوان شمال غزة، تتعافى طفلة يتيمة أخرى من جراحها.
كانت عائلة أسماء عجور البالغة من العمر ثلاثة أشهر تفر من حيهم في مدينة غزة بعد الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء وتحركت ضد نشطاء حماس الذين قالت إنهم ينشطون هناك.
وبينما كانت الأسرة تفر في الثامن من يوليو/تموز، أصاب القصف الإسرائيلي الشارع، مما أسفر عن مقتل والدة أسماء ووالدها وشقيقتيها، 3 و5 سنوات، حسبما قالت جدة أسماء، باسمة قويدر. وقالت قويدر إن أسماء ظلت راقدة في الشارع بين أحضان والدتها المتوفاة لمدة 12 ساعة، حتى سمع جدها ـ الذي كان يبحث عنهما ـ صراخها ووجدها، وهو يهز الرضيعة في مقعد الأطفال في المستشفى.
لقد قُتل اثنان من أبناء قويدر في غارات جوية في وقت سابق من الحرب، والآن فقدت ابنتها، والدة أسماء. ولا يعرفان بعد من سيتولى رعاية أسماء، لكن قويدر قالت إن ابنتها قالت لها: “إذا حدث لي شيء، اعتني بابنتي”.
وفي مستشفى شهداء الأقصى، كانت عائلة سوار الممتدة تحاول بنفس الطريقة معرفة كيفية استقبالها. وقالت نور عبد الهادي إن أجدادها ما زالوا على قيد الحياة، لكنهم مرضى وقد لا يتمكنون من تربيتها. وإلا فإن إحدى خالاتها ستتولى رعايتها، لكنهن يكافحن مع أطفالهن أثناء الحصار. نقص الغذاء والإمدادات في الحرب.
وقال أقارب عائلة عبد الهادي إن الأسرة كانت متماسكة ومحبة. وكان الوالدان هشام عبد الهادي وهداية ياسين حريصين على حصول أطفالهما على درجات عالية. وقالا إن سوار، بصفتها الأصغر سناً، كانت تُغدق عليها الألعاب. وقد فروا من منزلهم ثلاث مرات خلال الحرب هرباً من القصف المتكرر في وسط غزة، لكنهم عادوا في كل مرة، وآخر مرة في مايو/أيار.
وتقول نور عبد الهادي وهي تبكي: “إسرائيل لم تترك لسوار شيئاً، لا أباً ولا أماً ولا أشقاء، حتى ألعابها وسريرها ضاعت”.
وقال الأطباء إنهم يعالجون سيوار من حروق من الدرجة الثانية في وجهها وجروح ناجمة عن شظايا وانهيار رئتيها.
وتقول خالة أخرى تدعى أمل عبد الهادي: “الله يرزقنا القدرة على تربيتها، وتعيش حياة كريمة، وتلعب بين الأطفال، ولا تجعلها تعيش ما عاشته من قصف وصواريخ وحرمان”.