مستقبل الحكم في العراق: تأكيد نتائج الانتخابات وتحديات تشكيل الحكومة القادمة
أكدت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الأحد، النتائج النهائية للانتخابات النيابية التي جرت الشهر الماضي، والتي تشير إلى فوز ائتلاف رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني بأكبر عدد من المقاعد. ومع ذلك، فإن هذا الفوز لا يضمن بالضرورة حصوله على فترة ولاية ثانية، مما يفتح الباب أمام مفاوضات معقدة لتشكيل الحكومة الجديدة. هذه نتائج الانتخابات العراقية تضع البلاد أمام مرحلة حاسمة تتطلب توافقاً سياسياً واسعاً.
تأكيد صحة الانتخابات وحسم الشكاوى
بعد معالجة 853 شكوى مقدمة بشأن سير العملية الانتخابية، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن تقديم النتائج النهائية إلى المحكمة الاتحادية العليا. وقد خلصت المحكمة إلى أن العملية الانتخابية قد استوفت جميع المتطلبات الدستورية والقانونية، ولم تشهد أي مخالفات جوهرية تؤثر على نزاهة وسلامة النتائج. هذا التأكيد يمثل خطوة مهمة نحو الاستقرار السياسي، ويضع حداً للجدل الذي دار حول شفافية الانتخابات النيابية الأخيرة.
توزيع المقاعد: نظرة عامة على القوى السياسية الفائزة
أظهرت النتائج النهائية حصول ائتلاف السوداني للإعمار والتنمية على 46 مقعداً في البرلمان العراقي المؤلف من 329 مقعداً. بينما يعتبر هذا الرقم الأكبر بين جميع الكتل، إلا أنه لا يمثل أغلبية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده.
- قوى شيعية أخرى: حقق ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي 29 مقعداً، في حين حصلت كتلة صادقون التي يقودها قيس الخزعلي على 28 مقعداً.
- القوى الكردية: حصد الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود بارزاني، 27 مقعداً، مما يعزز موقفه كأحد القوى الرئيسية في البلاد.
- قوى سنية: فاز حزب التقدم، بقيادة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، أيضاً بـ 27 مقعداً، مما يثير التنافس على منصب رئيس البرلمان، والذي يتقلده عادةً مرشح من المكون السني.
- توزيع طائفي وقومي: بشكل عام، حصلت التحالفات والقوائم الشيعية على 187 مقعداً، والمجموعات السنية على 77 مقعداً، والمجموعات الكردية على 56 مقعداً، بالإضافة إلى 9 مقاعد مخصصة لأبناء الأقليات.
تحديات تشكيل الحكومة القادمة والمفاوضات السياسية
على الرغم من فوز ائتلاف السوداني بالمركز الأول، إلا أن التاريخ السياسي العراقي يشير إلى أن الكتلة التي تحصل على أكبر عدد من المقاعد لا تضمن بالضرورة فرض مرشحها لمنصب رئيس الوزراء. ففي العديد من الحالات السابقة، تطلبت تشكيل الحكومة توافقاً واسعاً بين مختلف القوى السياسية.
هذا يعني أن السوداني سيواجه تحدياً كبيراً في بناء ائتلاف حاكم قادر على حشد الدعم اللازم في البرلمان. من المرجح أن تشمل المفاوضات قضايا حساسة مثل توزيع المناصب الوزارية، ومكافحة الفساد، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
دور هيئة التنسيق ومستقبل التحالفات السياسية
وصل محمد شياع السوداني إلى السلطة في عام 2022 بدعم من هيئة التنسيق، وهو ائتلاف من الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران. ومع ذلك، ليس من المؤكد ما إذا كان هذا الائتلاف سيصطف خلفه مرة أخرى في هذه الانتخابات.
قد تسعى قوى أخرى، مثل ائتلاف دولة القانون وكتلة صادقون، إلى استغلال الموقف لتقديم مرشحين بديلين لمنصب رئيس الوزراء، أو للمطالبة بحصص أكبر في الحكومة. هذا السيناريو قد يؤدي إلى تعقيد المفاوضات، وإطالة أمد تشكيل الحكومة الجديدة. التحالفات السياسية في العراق غالباً ما تكون متغيرة وتعتمد على المصالح المتبادلة.
التوازن الطائفي والعرقي: عرف دستوري
من الجدير بالذكر أن التوازن الطائفي والعرقي يعتبر جزءاً أساسياً من النظام السياسي العراقي. وفقاً للعرف الدستوري، يشغل منصب رئيس الوزراء عادةً مرشح من المكون الشيعي، ومنصب الرئيس مرشح من المكون الكردي، ومنصب رئيس البرلمان مرشح من المكون السني. هذا التوزيع يهدف إلى ضمان تمثيل جميع المكونات الرئيسية في السلطة، والحفاظ على الاستقرار السياسي.
الخلاصة: مرحلة حاسمة تتطلب حواراً وطنياً
تُظهر نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة صورة معقدة للمشهد السياسي في البلاد. على الرغم من فوز ائتلاف السوداني بأكبر عدد من المقاعد، إلا أن تشكيل الحكومة القادمة سيتطلب مفاوضات مكثفة وتوافقاً واسعاً بين مختلف القوى السياسية.
من الضروري أن يركز القادة السياسيون على الحوار البناء، والعمل بروح الفريق الواحد، من أجل تجاوز الخلافات، وتلبية تطلعات الشعب العراقي في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار. مستقبل العراق يعتمد على قدرة قواه السياسية على العمل معاً من أجل بناء دولة قوية ومستقرة ومزدهرة. نتمنى أن تكون هذه الانتخابات بداية لمرحلة جديدة من التعاون والوحدة الوطنية.
