مدريد – قام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بزيارة تاريخية إلى إسبانيا يوم الثلاثاء، وشملت هذه الزيارة الوقوف أمام لوحة “غيرنيكا” الشهيرة لبابلو بيكاسو، في خطوة رمزية قوية تعكس مأساة الحرب وتأثيرها العميق على المدنيين. هذه اللوحة، التي تجسد أهوال الصراع، أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتعد بمثابة تذكير مؤلم بالدمار والمعاناة التي خلفتها وراءها. الزيارة تأتي في وقت حرج تسعى فيه أوكرانيا لتعزيز الدعم الدولي ومواجهة التحديات المستمرة.

“غيرنيكا” ورمزيتها في سياق الحرب الأوكرانية

لوحة “غيرنيكا” ليست مجرد عمل فني، بل هي صرخة مدوية ضد وحشية الحرب. رسمها بيكاسو في عام 1937 استجابةً للقصف المروع لمدينة غرنيكا في إسبانيا من قبل الطائرات الحربية النازية والإيطالية الفاشية خلال الحرب الأهلية الإسبانية. تمثل اللوحة مشاهد مروعة لنساء يصرخن وآلام الخيول ونطح الثور، وهي صور تعكس الفوضى والدمار والمعاناة الإنسانية الناتجة عن القصف العشوائي.

إن اختيار زيلينسكي الوقوف أمام هذه اللوحة بالذات ليس عشوائياً. فهو يشير بوضوح إلى أوجه التشابه بين مأساة غرنيكا والمعاناة التي يواجهها الشعب الأوكراني اليوم نتيجة للغزو الروسي. كما أن اللوحة نفسها، بتكوينها التكعيبي المشوه، تعبر عن تفكك الواقع وفقدان الإنسانية في أتون الحرب. هذه الصورة القوية كانت بالفعل جزءًا من الرمزية السياسية، حيث تم تعليق نسخة قماشية منها في الأمم المتحدة، لتذكير العالم بثمن الصراع.

تاريخ حافل بالزوار المميزين للوحة “غيرنيكا”

على مر السنين، استقبلت لوحة “غيرنيكا” العديد من الشخصيات البارزة التي أرادت استيعاب رسالتها العميقة أو التعبير عن تضامنها مع ضحايا الحرب. من بين هؤلاء الزوار البارزين الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي وقف أمامها في عام 2018 خلال زيارته لإسبانيا.

وقصة الكاتب سلمان رشدي ملهمة أيضا، فقد زار “غيرنيكا” بعد سنوات من تعرضه لهجوم طعن أسفر عن فقدانه لبصره في إحدى عينيه، مما يعكس قدرة الفن على الصمود وإلهام الأمل حتى في أحلك الظروف.

أهمية اللوحة في الذاكرة الجماعية الإسبانية

لم يكن عرض اللوحة في إسبانيا ممكناً طوال فترة الديكتاتورية الفرانكوية. فقد منع بيكاسو عرض “غيرنيكا” في إسبانيا طالما بقي فرانسيسكو فرانكو في السلطة. في عام 1939، وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، أُعيرت اللوحة إلى متحف الفن الحديث في نيويورك، حيث بقيت لعقود.

لم تعد اللوحة إلى إسبانيا إلا في عام 1981، أي بعد فترة وجيزة من إحباط محاولة انقلاب عسكري كانت تهدف إلى إعادة إسبانيا إلى الحكم الاستبدادي. ويقول أنطونيو كازورلا سانشيز، أستاذ التاريخ الإسباني، إن عودة “غيرنيكا” إلى إسبانيا كانت رمزًا للأمل في عدم عودة البلاد إلى الماضي المظلم. كانت اللوحة بذلك تجسيداً لانتصار الديمقراطية ورفض العنف والقمع.

زيارة زيلينسكي كجزء من جهود دبلوماسية أوسع

تأتي زيارة زيلينسكي إلى إسبانيا في إطار جولة له في العواصم الأوروبية تهدف إلى حشد الدعم المستمر لأوكرانيا. في ظل استمرار الصراع، يحتاج زيلينسكي إلى طمأنة الحلفاء والتأكيد على أهمية استمرار المساعدات العسكرية والإنسانية. يشكل التواصل المباشر مع القادة والشعوب الأوروبية جزءًا أساسيًا من استراتيجيته الدبلوماسية، حيث يحرص على إلقاء الخطابات أمام البرلمانات والتواجد في المنتديات الهامة لتسليط الضوء على الوضع في أوكرانيا.

هذه الجهود تأتي في وقت تواجه فيه أوكرانيا ضغوطًا داخلية وخارجية، بما في ذلك فضائح فساد وتحديات اقتصادية. ومع ذلك، يظل التركيز على المقاومة الأوكرانية وضرورة دعمها في وجه العدوان الروسي.

في الختام، زيارة الرئيس زيلينسكي إلى لوحة “غيرنيكا” هي رسالة قوية ومؤثرة إلى العالم. إنها تذكير بأهوال الحرب وضرورة السعي إلى السلام والعدالة. وتُظهر هذه الزيارة أيضًا أهمية الفن كأداة للتعبير عن المعاناة والدفاع عن القيم الإنسانية، وتأكيد التضامن الدولي مع أوكرانيا في هذه اللحظات الحاسمة. نأمل أن تساهم هذه الزيارة في تعزيز الدعم لأوكرانيا ومساعدة شعبها على تجاوز هذه الأزمة العصيبة.

شاركها.