يشير المشهد المروع في مدينة بوتشا الأوكرانية، بآثارها الدامية من الاحتلال الروسي، إلى مأساة عميقة لا تزال تتردد أصداؤها في نفوس السكان. المقابر الجماعية، والكنائس التي مزقتها الرصاص، تحكي قصصًا مروعة عن العنف والمعاناة. لكن الآن، يواجه الناجون من بوتشا، والذين فقدوا أحبائهم أو نجوا بأعجوبة من الفظائع، معاناة جديدة: فكرة العفو عن المسؤولين عن هذه الجرائم كجزء من اتفاق سلام مقترح تقوده الولايات المتحدة. هذا المقترح، الذي يهدف إلى إنهاء الحرب، يثير غضبًا وخيبة أمل عميقتين في بوتشا وفي جميع أنحاء أوكرانيا، حيث يُنظر إليه على أنه تخلي عن العدالة وتقويض للمساءلة.

بوتشا: شاهد صامت على فظائع الحرب

تعتبر مدينة بوتشا، في ضواحي كييف، رمزًا للصمود الأوكراني والمعاناة المروعة التي خلفتها الحرب. كنيسة أندرو الرسول، التي لا تزال تحمل ندوب القصف، تقف شامخة بجوار قبر جماعي يضم ضحايا الجرائم الحربية. الأب أندريه هالافين، الذي يقود الرعية في هذه الكنيسة المتضررة، يعبر بقوة عن رفضه لأي عفو عن مرتكبي الفظائع.

“هذا بمثابة ضوء أخضر للمزيد من العنف.” يقول الأب أندريه بعد القداس يوم الأحد. “هذا يعني أنه يمكنك الاستمرار في القصف، والاستمرار في إعدام الجنود، وكل ذلك بثقة بأنه لن يحدث شيء. إنها رسالة خاطئة تمامًا.”

لقد كشفت عمليات القتل الجماعي في بوتشا بعد انسحاب القوات الروسية في أبريل 2022 عن صور مروعة للاعدامات خارج نطاق القانون والتعذيب. وخلال تلك الفترة، وبينما كانت القوات الروسية تحاول السيطرة على كييف، تعرض المدنيون لأفظع أشكال القمع. ووفقًا لشهادات الناجين والتحقيقات الدولية، فقد قُتل المئات، ودُفنوا في مقابر جماعية، أو تُركوا في العراء.

العفو عن الجرائم الحربية: خيبة أمل أم ضرورة قاسية؟

المقترح الذي يحمل 28 بندًا والذي تم تداوله في الكواليس، والذي قادته إدارة ترامب مع مسؤولين روس، يشمل تنازلات كبيرة من جانب أوكرانيا. هذه التنازلات تشمل التخلي عن الأراضي التي تسيطر عليها روسيا حاليًا، وتقليص حجم الجيش الأوكراني، والتخلي عن طموحات الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي المقابل، يُفترض أن تتلقى أوكرانيا ضمانات أمنية دولية ومساعدات مالية لإعادة الإعمار.

لكن العنصر الأكثر إثارة للجدل في هذا المقترح هو العفو الشامل عن المدنيين الذين ارتكبوا جرائم حرب. بالنسبة للناجين في بوتشا، هذه الفكرة غير مقبولة على الإطلاق. في المقبرة العسكرية، وقفت فيرا كاتانينكو، 66 عامًا، أمام قبر ابنها أندري، الذي قُتل في القتال في دونيتسك. قالت بأسى: “لا يمكنني قبول ذلك. يريدون أن يعفوا عن جميع جرائم الحرب، بما في ذلك ما حدث في بوتشا؟ هذا أمر مرعب. دعهم يأتون إلى هنا، دع ترامب نفسه يأتي إلى هنا، ليروا آلامنا، وربما يغيرون رأيهم.”

تصاعد الغضب والتشكيك في المقترحات السلامية

لا يقتصر الرفض الأوكراني للعفو على بوتشا. يعكس هذا الشعور غضبًا أوسع في جميع أنحاء البلاد، وشكوكًا بشأن جدية الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة في ظل استمرار العدوان الروسي. القادة الأوروبيون، على سبيل المثال، يصرون على أن أي مفاوضات سلام يجب أن تشمل أوكرانيا بشكل كامل، وأن تحترم سيادتها وسلامتها الإقليمية.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وصف الخطة بأنها “واحدة من أصعب اللحظات في الحرب”، لكنه أكد التزامه بالعمل مع واشنطن مع السعي لإجراء تعديلات جوهرية.

في هذه الأثناء، في جنازة الجندي رسلان زيهونوف، التي أُقيمت تحت المطر بالقرب من بوتشا، كان الحاضرون يتساءلون عن مدى جدوى المفاوضات التي تضحي بأراضيهم ومستقبلهم. قال أندري هونشاروك، متطوع دفاع إقليمي متقاعد: “كيف يمكنك استبدال أراضي أسلافك بشيء ما؟ من أجل ماذا؟ الحرب لن تنتهي قريبًا. سنظل نموت لفترة طويلة.”

العدالة مقابل السلام: معضلة أوكرانيا

إن المقترح الأخير يضع أوكرانيا أمام معضلة أخلاقية وسياسية عميقة. هل يمكن التضحية بالعدالة من أجل تحقيق السلام؟ أم أن العفو عن مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية سيؤدي فقط إلى إدامة دائرة العنف والإفلات من العقاب؟

يعتقد العديد من الأوكرانيين أن العدالة لا تتعلق بالانتقام، بل بإثبات مبدأ المساءلة، لا سيما وأنهم يُطلب منهم الآن تقييم مقايضات مؤلمة من أجل السلام. بالفعل، تم التعرف على العديد من الجناة، وجمع الأدلة، وتقديمها إلى المحاكم الدولية.

لكن السؤال الأهم يبقى: هل يمكن بناء سلام دائم على أساس من الظلم والإفلات من العقاب؟ أم أن تحقيق العدالة، مهما كان صعبًا، هو الشرط الأساسي لتحقيق المصالحة الحقيقية والوقاية من تكرار هذه الفظائع في المستقبل؟ يمثل هذا التحدي جوهر الصراع في أوكرانيا، ويحمل في طياته تداعيات بعيدة المدى على مستقبل البلاد والعلاقات الدولية.

هذه القضية الحساسة تسلط الضوء على التعقيدات الكامنة في أي محاولة لإنهاء الصراع في أوكرانيا، وتذكرنا بأهمية احترام حقوق الضحايا، والسعي لتحقيق العدالة، وضمان المساءلة عن جميع الجرائم المرتكبة.

شاركها.