في تطور لافت يثير جدلاً واسعاً، قامت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بنشر قوة عسكرية ضخمة قبالة سواحل فنزويلا، بما في ذلك حاملة الطائرات الأكبر في العالم. يأتي هذا الانتشار العسكري في ظل استمرار القوات الأمريكية في استهداف قوارب صغيرة يُزعم أنها متورطة في تهريب المخدرات لصالح عصابات الجريمة المنظمة. هذا التحرك، الذي يمثل أكبر وجود عسكري أمريكي في أمريكا اللاتينية منذ عقود، أثار تساؤلات حول النوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية، خاصة مع تصريحات ترامب التي أشارت إلى احتمال تدخل عسكري وشيك. العمليات العسكرية الأمريكية في فنزويلا أصبحت محور نقاش حاد بين المشرعين والخبراء على حد سواء.
تصاعد التوتر: نشر القوات الأمريكية وتصريحات ترامب
بدأ التصعيد مع توقيع ترامب على أمر تنفيذي في يناير 2020، يهدف إلى تصنيف بعض المنظمات الإجرامية وعصابات المخدرات كـ “منظمات إرهابية أجنبية”، بما في ذلك عصابة “ترين دي أراغوا” الفنزويلية. على الرغم من أن مجتمع الاستخبارات الأمريكي أظهر تحفظاته حول الادعاءات بأن حكومة مادورو تتعاون مع هذه العصابات في عمليات تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، إلا أن الإدارة الأمريكية مضت قدماً في هذا المسار.
في أغسطس 2020، بدأت القوات الأمريكية في نشر مدمرات صواريخ موجهة وسفن هجومية برمائية في المياه قبالة فنزويلا، لتصل القوة البحرية إلى حوالي 6000 بحار ومشاة بحريين، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الطائرات. كما نشرت الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من طراز إف-35 في بورتوريكو وغواصة تحمل صواريخ كروز قبالة السواحل الجنوبية لأمريكا.
تصريحات الرئيس ترامب زادت من حدة التوتر، حيث تحدث عن احتمال شن هجمات برية قريباً، دون تقديم تفاصيل محددة. في المقابل، أكد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أن الهدف الحقيقي للعمليات العسكرية الأمريكية هو الإطاحة به من السلطة.
الضربات العسكرية وتصاعد المخاوف القانونية
في الثاني من سبتمبر 2020، نفذت الولايات المتحدة أول ضربة عسكرية ضد ما وصفته بأنه سفينة محملة بالمخدرات قادمة من فنزويلا، مما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص الإحدى عشرة الذين كانوا على متنها. أثارت هذه الضربة، وغيرها من الضربات اللاحقة، جدلاً قانونياً واسعاً في الكونجرس الأمريكي.
أعلنت إدارة ترامب أنها قتلت ما لا يقل عن 87 شخصًا في 22 ضربة معروفة في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ الشرقي منذ أوائل سبتمبر. وبرر ترامب هذه الهجمات بأنها ضرورية لوقف تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، مؤكداً أن بلاده منخرطة في “صراع مسلح” مع عصابات المخدرات.
تهريب المخدرات هو أحد الأسباب الرئيسية التي استندت إليها الإدارة الأمريكية لتبرير هذه العمليات، لكن المشرعين أبدوا شكوكهم حول الأساس القانوني لهذه الضربات، خاصة مع عدم وجود إعلان حرب من الكونجرس. بعد تقارير تفيد بأن الهجوم الأول تضمن غارة لاحقة أدت إلى مقتل ناجيين، بدأ الكونجرس تحقيقاً في هذه الحملة، واستدعى قائد البحرية المسؤول عن هذه الضربات للإدلاء بإفادة سرية.
الجدول الزمني للأحداث والردود الفنزويلية
- 20 يناير 2020: توقيع ترامب على أمر تنفيذي يسمح بتصنيف عصابات المخدرات كـ “منظمات إرهابية أجنبية”.
- 20 فبراير 2020: تصنيف ثماني منظمات إجرامية في أمريكا اللاتينية كمنظمات إرهابية أجنبية.
- 19 أغسطس 2020: نشر ثلاث مدمرات صواريخ موجهة قبالة فنزويلا.
- 2 سبتمبر 2020: الضربة الأولى ضد سفينة يُزعم أنها تحمل مخدرات، مما أسفر عن مقتل 11 شخصًا.
- 10 سبتمبر 2020: رسالة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين إلى البيت الأبيض تطالب بتبرير قانوني للضربات.
- 15 سبتمبر 2020: الضربة الثانية ضد قارب يُزعم أنه يحمل مخدرات، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.
- 19 سبتمبر 2020: الضربة الثالثة ضد سفينة لتهريب المخدرات، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.
- 2 أكتوبر 2020: إعلان ترامب أن الولايات المتحدة في “صراع مسلح” مع عصابات المخدرات.
- 3 أكتوبر 2020: أمر وزير الدفاع بشن ضربة رابعة ضد قارب يُزعم أنه يحمل مخدرات، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص.
- 8 أكتوبر 2020: تصويت مجلس الشيوخ ضد التشريع الذي يتطلب موافقة الكونجرس على المزيد من الضربات العسكرية.
- 15 أكتوبر 2020: إعلان ترامب أنه أذن لوكالة المخابرات المركزية بشن عمليات سرية داخل فنزويلا.
- 16 أكتوبر 2020: إعلان الأدميرال هولسي عن تقاعده في ديسمبر.
- 17 أكتوبر 2020: ضربة سابعة لسفينة يُزعم أنها تحمل مخدرات، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.
- 1 نوفمبر 2020: ضربة خامسة عشرة معروفة.
- 16 نوفمبر 2020: وصول حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد” إلى منطقة البحر الكاريبي.
- 11 نوفمبر 2020: إطلاق فنزويلا تعبئة عسكرية واسعة النطاق.
ردت فنزويلا على هذه التهديدات بتعبئة قواتها وإجراء تدريبات عسكرية واسعة النطاق، مؤكدة أن جيشها “أقوى من أي وقت مضى”. كما اتهمت الحكومة الفنزويلية الولايات المتحدة بمحاولة التدخل في شؤونها الداخلية والإطاحة بالرئيس مادورو.
الخلاصة: مستقبل التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا
إن التدخل الأمريكي في فنزويلا يمثل تطوراً خطيراً في العلاقات بين البلدين، ويثير مخاوف بشأن استقرار المنطقة بأكملها. الغموض المحيط بالنوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية، والتصعيد المستمر في التوترات، والجدل القانوني حول شرعية الضربات العسكرية، كلها عوامل تزيد من تعقيد الوضع. من الضروري أن تسعى الأطراف المعنية إلى حل دبلوماسي يضمن احترام سيادة فنزويلا وتجنب المزيد من التصعيد العسكري. يبقى السؤال: هل ستستمر الولايات المتحدة في هذا المسار التصعيدي، أم ستختار طريق الحوار والتفاوض؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
