انتخابات ميانمار في ظل الأزمة: نظرة على المرحلة الأولى والشكوك المحيطة بها
شهدت ميانمار، يوم الأحد 28 ديسمبر 2025، بدء المرحلة الأولى من الانتخابات العامة وسط أجواء مشحونة بالتوتر السياسي والصراعات المسلحة. أدلى الناخبون بأصواتهم في مناطق مختلفة من البلاد، لكن هذه الانتخابات تأتي في ظل حكم عسكري بعد الانقلاب الذي شهدته البلاد في عام 2021، وتُرافقها حالة من الحرب الأهلية المستمرة، مما يثير تساؤلات حول مصداقيتها وقدرتها على تمثيل إرادة الشعب. تركز هذه المقالة على تفاصيل هذه الانتخابات، التحديات التي تواجهها، والآراء المختلفة حولها، مع التركيز على مصير العملية السياسية في ميانمار .
سياق الانتخابات: انقلاب وحرب أهلية
جاءت هذه الانتخابات بعد عام من تولي الجيش السلطة في انقلاب أطاح بالحكومة المدنية المنتخبة بزعامة أونغ سان سو تشي. منذ ذلك الحين، تشهد ميانمار احتجاجات واسعة النطاق وقمعًا عنيفًا من قبل الجيش، بالإضافة إلى تصاعد العنف بين الجيش وقوات المعارضة المسلحة. هذه الظروف تجعل تنظيم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة أمرًا بالغ الصعوبة.
أعلنت سلطات ميانمار حالة الطوارئ في فبراير 2021، ووعدت بإجراء انتخابات بعد عام من ذلك، لكنها أجلت الموعد عدة مرات. وقد تم استبعاد العديد من الأحزاب السياسية المعارضة، بما في ذلك رابطة ميانمار الوطنية للديمقراطية (NLD) التي كانت تتولى السلطة قبل الانقلاب، من المشاركة في هذه الانتخابات بسبب قوانين جديدة تفرضها الحكومة العسكرية.
مشاركة محدودة وشكوك حول النتيجة
على الرغم من أهمية هذه الانتخابات في ميانمار، إلا أن نسبة المشاركة كانت متدنية في العديد من المناطق، خاصة في المناطق التي تشهد اشتباكات عنيفة. يُعزى ذلك إلى عدة عوامل، بما في ذلك الخوف من العنف، والشك في نزاهة العملية الانتخابية، والدعوات إلى مقاطعة الانتخابات التي أطلقها بعض الجماعات المعارضة.
أعرب العديد من المراقبين الدوليين عن قلقهم بشأن هذه الانتخابات، واصفين إياها بأنها “غير حرة وغير نزيهة” بسبب القيود المفروضة على الأحزاب السياسية والإعلام، بالإضافة إلى التهديدات والترهيب التي تعرض لها الناخبون. كما يشيرون إلى أن الانتخابات تجرى في ظل غياب أي ضمانات حقيقية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
الأحزاب المتنافسة وخلفياتها
تشارك في هذه الانتخابات عدة أحزاب سياسية، بما في ذلك حزب الاتحاد من أجل الصلح والتنمية (USDP) الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجيش، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الأخرى التي تم السماح لها بالمشاركة. حزب USDP هو نفسه الحزب الذي حكم ميانمار خلال الفترة من 2010 إلى 2015، ويحظى بدعم كبير من المؤسسة العسكرية.
الأحزاب المعارضة التي تم استبعادها من الانتخابات تشمل رابطة ميانمار الوطنية للديمقراطية (NLD) وغيرها من الجماعات العرقية والسياسية التي كانت تلعب دورًا هامًا في الحياة السياسية للبلاد. تعتقد هذه الأحزاب أن الانتخابات الحالية هي مجرد محاولة من قبل الجيش لإضفاء الشرعية على حكمه.
ردود الفعل الدولية والوضع المستقبلي
تلقت الانتخابات ردود فعل متباينة من المجتمع الدولي. أبدت بعض الدول، مثل روسيا والصين، دعمها للانتخابات، بينما انتقدتها دول أخرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل في نزاهتها.
العديد من الخبراء والمحللين السياسيين يعتقدون أن هذه الانتخابات لن تحل الأزمة السياسية في ميانمار، بل قد تؤدي إلى تفاقمها. ويرون أن الشرعية الوحيدة التي يمكن أن تنقذ ميانمار هي من خلال حوار شامل يضم جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الجيش والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
تحديات أخرى تواجه العملية الانتخابية
بالإضافة إلى التحديات الأمنية والسياسية، واجهت الانتخابات العامة في ميانمار تحديات لوجستية ومالية كبيرة. فقد اضطرت لجنة الانتخابات إلى التعامل مع صعوبات في نقل صناديق الاقتراع والموظفين إلى المناطق النائية، بالإضافة إلى نقص التمويل اللازم لتغطية تكاليف العملية الانتخابية.
كما أن هناك مخاوف بشأن دقة سجلات الناخبين، حيث يُعتقد أن هناك العديد من الأسماء المكررة أو غير الصحيحة في القوائم النهائية. وتشير التقارير إلى أن بعض الناخبين لم يتمكنوا من العثور على أسمائهم في القوائم، مما أدى إلى إحباطهم وعدم مشاركتهم في الانتخابات.
الخلاصة: مستقبل غامض للعملية السياسية
في الختام، تمثل الانتخابات التي جرت في ميانمار نقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد. في حين أنها قد تمثل خطوة نحو استعادة الحكم المدني، إلا أنها تأتي في ظل ظروف استثنائية تثير الشكوك حول مصداقيتها وقدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي. الأزمة في ميانمار بعيدة عن الحل، ويتطلب الأمر جهودًا متواصلة من جميع الأطراف المعنية لإيجاد طريق نحو مستقبل ديمقراطي ومزدهر. من الضروري متابعة التطورات السياسية والاقتصادية في ميانمار، وتشجيع الحوار والتصالح بين جميع أفراد المجتمع. نأمل أن تشهد ميانمار قريبًا انتقالًا سلميًا إلى الديمقراطية، وأن يتمكن شعبها من التمتع بحقوقه وحرياته الأساسية.
