مستقبل الطاقة النظيفة في الفلبين: هل تمثل “اعتمادات الكربون الانتقالية” حلاً؟

تواجه الفلبين، مثل العديد من الدول النامية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تحديًا مزدوجًا: تلبية الطلب المتزايد على الطاقة مع خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. وفي محاولة لمواجهة هذا التحدي، بدأت الفلبين في اختبار آلية تمويل جديدة ومبتكرة، وهي اعتمادات الكربون الانتقالية. تهدف هذه الاعتمادات إلى تشجيع الشركات على التخلص التدريجي من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، من خلال خلق قيمة مالية من الانبعاثات التي سيتم تجنبها، وبالتالي تمويل التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. هذه المبادرة تثير اهتمامًا كبيرًا، ولكنها أيضًا تثير تساؤلات حول فعاليتها واستدامتها.

ما هي اعتمادات الكربون الانتقالية؟

اعتمادات الكربون الانتقالية تمثل مفهومًا جديدًا في عالم أسواق الكربون. تقليديًا، يمثل اعتماد الكربون طنًا متريًا واحدًا من ثاني أكسيد الكربون تم إزالته أو عدم إطلاقه في الغلاف الجوي. يتم شراء وبيع هذه الاعتمادات من قبل الدول والشركات كجزء من جهودها للوفاء بالتزاماتها البيئية.

الفرق الرئيسي يكمن في أن الاعتمادات الانتقالية لا تركز على إزالة الانبعاثات الموجودة، بل على منع الانبعاثات المستقبلية. بمعنى آخر، يتم تقييمها بناءً على التزام الشركة بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، مثل الفحم، واستبداله بمصادر طاقة أنظف. هذا التقييم يخلق سوقًا ماليًا يمكن للشركات من خلاله الحصول على تمويل لتغطية تكاليف هذا التحول.

التجربة الفلبينية: محطة كالاكا كنموذج أولي

تجري حاليًا تجربة اعتمادات الكربون الانتقالية في محطة توليد الكهرباء التابعة لشركة South Luzon Thermal Energy بقدرة 270 ميجاوات، الواقعة في مدينة كالاكا جنوب مانيلا. تعتبر هذه المحطة حالة مثيرة للاهتمام، حيث تم بناؤها قبل عقد من الزمن من قبل شركة ACEN، وهي الذراع للطاقة لمجموعة Ayala Corp. عادةً ما تتمتع محطات الفحم بعمر تشغيلي طويل يصل إلى 50 عامًا، ولكن ACEN تعهدت بإيقاف تشغيل محطة جنوب لوزون بحلول عام 2040، وهو ما يمثل تسريعًا كبيرًا لعملية التخلص التدريجي من الفحم.

تهدف التجربة إلى إثبات جدوى هذا النهج، وإقناع المزيد من الشركات بتبني استراتيجيات مماثلة. وقالت إيرين مارانان، من ACEN: “إذا نجح الأمر، فسيكون هناك دليل لأصحاب أصول الفحم وتحولات الطاقة الخاصة بهم. سيكون عدد المؤمنين بهذه المبادرة أكبر من عدد غير المؤمنين.” تعتمد الفكرة على أن الاعتمادات الانتقالية يمكن أن توفر حافزًا ماليًا قويًا للشركات للتخلي عن الفحم قبل نهاية عمره الافتراضي.

التحديات والمخاوف المحيطة بالاعتمادات الانتقالية

على الرغم من الإمكانات الواعدة، تواجه اعتمادات الكربون الانتقالية العديد من التحديات والمخاوف. أحد أهم هذه المخاوف هو مسألة النزاهة، وهي مشكلة تؤرق أسواق الكربون بشكل عام. فقد تعرضت العديد من المشاريع السابقة لانتقادات بسبب “الغسل الأخضر”، وتقدير الانبعاثات بشكل غير دقيق، والتسبب في “تسرب الكربون” – وهو انتقال الشركات إلى دول ذات لوائح بيئية أقل صرامة.

بالإضافة إلى ذلك، يثير البعض تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاعتمادات تمثل حقًا حلًا فعالًا لمكافحة تغير المناخ، أو أنها مجرد وسيلة للشركات لتأجيل التحول الحقيقي إلى الطاقة المتجددة. ويرى محللون مثل باتريك ماكولي أن التركيز يجب أن يكون على “الضغط الشامل والعملي” على بناء الطاقة المتجددة، بدلاً من الاعتماد على آليات معقدة مثل الاعتمادات الانتقالية. ويعتبرون أن هذه الاعتمادات قد تكون مجرد “نبيذ قديم في زجاجة جديدة”، وأنها قد تؤدي إلى إضاعة الوقت والمال.

مستقبل الطاقة المتجددة في جنوب شرق آسيا

تعتبر منطقة جنوب شرق آسيا من بين المناطق الأكثر اعتمادًا على الفحم في العالم، وهي تواجه تحديًا كبيرًا في تحقيق أهدافها المناخية. وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تعد المنطقة ثالث أكبر مستهلك للفحم في العالم بعد الهند والصين، ويتوقع أن يتضاعف الطلب الإقليمي على الكهرباء بحلول عام 2050. هذا يعني أن الاعتماد على الفحم سيستمر في الارتفاع، مما قد يعيق الجهود العالمية للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.

ومع ذلك، هناك أيضًا زخم متزايد نحو الطاقة المتجددة في المنطقة. العديد من الدول تضع أهدافًا طموحة لزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها، وتستثمر في مشاريع جديدة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية. يمكن أن تلعب اعتمادات الكربون الانتقالية دورًا في تسريع هذا التحول، من خلال توفير حافز مالي للشركات للتخلي عن الفحم واستبداله بمصادر طاقة أنظف.

الخلاصة: فرصة واعدة ولكنها تتطلب حذرًا

تمثل اعتمادات الكربون الانتقالية نهجًا مبتكرًا ومثيرًا للاهتمام لتمويل التحول إلى الطاقة المتجددة في الفلبين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. إذا نجحت التجربة في كالاكا، فقد تفتح الباب أمام المزيد من المشاريع المماثلة، وتساهم في خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.

ومع ذلك، من المهم التعامل مع هذا المفهوم بحذر، ومعالجة المخاوف المتعلقة بالنزاهة والفعالية. يجب أن تكون هناك آليات قوية للتحقق من صحة الاعتمادات، وضمان استفادة المجتمعات المحلية، وتجنب أي محاولات للتلاعب بالسوق. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون التركيز الأساسي على الاستثمار في الطاقة المتجددة، وليس الاعتماد على آليات تعويض الكربون كحل وحيد. فالتحول إلى مستقبل طاقة نظيفة يتطلب جهودًا متضافرة وشاملة، واستراتيجيات مبتكرة ومستدامة.

شاركها.