في أعقاب حريق مأساوي أودى بحياة 159 شخصًا على الأقل، تستعد هونغ كونغ لإجراء انتخابات تشريعية يوم الأحد، وهي انتخابات تأتي في ظل تصاعد الضغوط على نظام الحكم “الوطني فقط” الذي تفرضه بكين. يلقي هذا الحريق، الأكثر دموية في هونغ كونغ منذ عقود، بظلاله على العملية الانتخابية، مما يثير تساؤلات حول ثقة الجمهور في الحكومة وقدرتها على الاستجابة للأزمات. انتخابات هونغ كونغ التشريعية تكتسب أهمية خاصة في ظل هذه الظروف، حيث يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها خطوة أخرى نحو تشديد السيطرة الصينية على المدينة.

تداعيات الحريق وتأثيرها على المشهد السياسي

الحريق الهائل الذي اندلع في مجمع سكني بمدينة هونغ كونغ قبل 11 يومًا من موعد الانتخابات، أثار غضبًا واسع النطاق ومخاوف جدية بشأن معايير السلامة في المباني وإشراف الحكومة على مشاريع الصيانة. لم يقتصر الأمر على الخسائر البشرية الفادحة، بل أثار الحريق أيضًا تساؤلات حول الاستجابة الحكومية للحادثة وجهود التحقيق الرسمية.

على الرغم من عدم ظهور احتجاجات شعبية واسعة النطاق، يعزى ذلك بشكل كبير إلى حملة الأمن المكثفة التي بدأت قبل خمس سنوات، إلا أن السكان أعربوا عن قلقهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبين الأصدقاء، مما يعكس حالة من عدم الرضا المتزايد. معدل الإقبال على التصويت سيكون مؤشرًا رئيسيًا لقياس مشاعر الجمهور تجاه الحكومة وتعاملها مع هذه الكارثة.

تغيير في تركيبة المجلس التشريعي

تشهد هذه الانتخابات تغييرًا ملحوظًا في تركيبة المجلس التشريعي لهونغ كونغ. تقاعد ما يقرب من 40٪ من المشرعين الحاليين، مما يفسح المجال لجيل جديد من السياسيين. إلا أن هذا الجيل الجديد يتميز بزيادة ملحوظة في عدد المرشحين الذين لديهم روابط تجارية قوية في البر الرئيسي الصيني، بالإضافة إلى أعضاء في البرلمان الصيني.

سيطرة بكين المتزايدة

يشير المراقبون إلى أن هذه التشكيلة الجديدة من المرشحين تعكس رغبة بكين في تشديد الرقابة حتى على الموالين لها، وتفضيل السياسيين الأكثر انسجامًا مع أجندتها. بدأ العديد من المشرعين المخضرمين في الإعلان عن عدم ترشحهم لإعادة الانتخاب، في حين أن أولئك الذين تقدموا للترشح يتمتعون بعلاقات وثيقة مع الحكومة المركزية.

منذ عام 2021، شهد المجلس التشريعي تحولًا كبيرًا بعد إصلاح القواعد الانتخابية من قبل الصين. تم تخفيض عدد المقاعد المنتخبة مباشرة، بينما زاد عدد المقاعد التي يتم اختيارها من قبل لجنة انتخابية يهيمن عليها مؤيدو بكين. يجب على جميع المرشحين اجتياز تدقيق رسمي صارم، بما في ذلك من قبل سلطات الأمن القومي.

المرشحون الجدد وعلاقاتهم بالبر الرئيسي الصيني

تظهر الإحصائيات أن عدد المرشحين الذين لديهم علاقات مع البر الرئيسي الصيني قد ازداد بشكل ملحوظ. وجدت وكالة أسوشيتد برس أن 26 على الأقل من 161 مرشحًا، أي ما يعادل 16٪، شغلوا مناصب في شركات ممولة من الصين دون الإعلان عن انتماءاتهم الحزبية. معظم هؤلاء المرشحين مرتبطون بمؤسسات مملوكة للدولة.

بالإضافة إلى ذلك، يشارك في هذه الانتخابات 16 مندوبًا إلى أعلى هيئة تشريعية في الصين، وهو أكثر من ضعف العدد في الانتخابات الأخيرة، و13 عضوًا آخر في أعلى هيئة استشارية سياسية في الصين. على الرغم من زيادة عدد المرشحين في المقاعد المنتخبة بشكل مباشر، إلا أن العديد منهم ليسوا أسماء مألوفة للناخبين.

توقعات الإقبال على التصويت والتحديات المستقبلية

يتوقع الخبراء أن يكون الإقبال على التصويت منخفضًا بسبب آثار الحريق وانخفاض معدل الإقبال في انتخابات 2021 إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 30.2٪. وقد بذلت الحكومة جهودًا لتعزيز الإقبال، لكن الحريق أوقف هذه الجهود مؤقتًا.

يشير الأستاذ الفخري للسياسة والإدارة العامة بجامعة هونغ كونغ، جون بيرنز، إلى أن حوالي 60٪ من الأصوات الشعبية ذهبت إلى المعسكر المؤيد للديمقراطية في الانتخابات الماضية قبل عام 2021. ويعتقد أن هؤلاء الناخبين سيستمرون في الابتعاد عن انتخابات الأحد. المستقبل السياسي لهونغ كونغ يبدو أكثر غموضًا من أي وقت مضى، حيث تسعى بكين إلى ترسيخ سيطرتها على المدينة.

في الختام، تمثل انتخابات هونغ كونغ التشريعية محطة فارقة في مسار المدينة السياسي. في ظل تداعيات الحريق المأساوي وتغيير تركيبة المجلس التشريعي، من المرجح أن تشهد هذه الانتخابات مزيدًا من السيطرة الصينية على هونغ كونغ. سيكون من الضروري مراقبة معدل الإقبال على التصويت وتحليل النتائج لفهم التوجهات السياسية المستقبلية للمدينة. هل ستتمكن الحكومة من استعادة ثقة الجمهور؟ وهل ستستمر في تشديد قبضتها على السلطة؟ هذه هي الأسئلة التي ستحدد مستقبل هونغ كونغ في السنوات القادمة.

شاركها.