بوليفيا تعيد العلاقات مع إسرائيل: تحول جيوسياسي كبير في أمريكا الجنوبية
في خطوة مفاجئة تعكس تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية، أعلنت الحكومة البوليفية الجديدة، بقيادة الرئيس رودريغو باز، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. يأتي هذا الإعلان بعد قطيعة استمرت عامين، بدأت عندما قطعت حكومة يسارية سابقة العلاقات احتجاجاً على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. هذا التطور يمثل جزءاً من إعادة تقييم شاملة للعلاقات الخارجية لبوليفيا، ويسعى إلى التقارب مع الولايات المتحدة وإعادة بناء الروابط التي تدهورت في ظل الحكومات السابقة. العلاقات البوليفية الإسرائيلية تشهد بذلك عودة إلى الواجهة بعد فترة من التوتر والجمود.
عودة العلاقات: اتفاق تاريخي في واشنطن
التقى وزير الخارجية البوليفي فرناندو أرامايو بنظيره الإسرائيلي جدعون سار في واشنطن، حيث وقعا إعلاناً رسمياً يؤكد الاتفاق على إعادة إحياء العلاقات الثنائية. تتضمن الخطط المتبادلة إعادة تبادل السفراء وإرسال مسؤولين في زيارات رسمية في المستقبل القريب. هذا الإعلان يمثل نهاية فترة من التباعد الدبلوماسي، وفتح صفحة جديدة في التعاون بين البلدين.
أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي عن ترحيبه بالخطوة، مشيداً بقرار بوليفيا إلغاء القيود المفروضة على تأشيرات الإسرائيين. كما أكد سار أنه تحدث مع الرئيس باز بعد فوزه في الانتخابات، معرباً عن رغبة إسرائيل في بناء علاقات قوية ومثمرة مع بوليفيا.
تحول في السياسة الخارجية البوليفية
يمثل هذا التقارب مع إسرائيل جزءاً من استراتيجية أوسع للحكومة الجديدة في بوليفيا، والتي تسعى إلى تغيير مسار السياسة الخارجية الذي سلكته البلاد لعقود. في ظل حكومة حزب الحركة نحو الاشتراكية (MAS) بقيادة إيفو موراليس، اتسمت السياسة الخارجية البوليفية بالعداء للولايات المتحدة وإسرائيل، والتحالف الوثيق مع دول مثل الصين وروسيا وفنزويلا.
تدرك حكومة باز أهمية تنويع العلاقات الخارجية، وتهدف إلى تحقيق توازن جديد يخدم مصالح بوليفيا على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. لتحقيق ذلك، تعمل الحكومة على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، التي كانت متوترة في السابق. بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة بتخفيف قيود التأشيرة على المسافرين الأمريكيين والإسرائيليين، في إشارة واضحة إلى رغبتها في تسهيل التبادل التجاري والسياحي مع هذه الدول.
تداعيات فترة حكم موراليس
بعد توليه السلطة في عام 2006، اتخذ إيفو موراليس، أول رئيس من السكان الأصليين لبوليفيا، خطوات جريئة نحو الاستقلال عن النفوذ الغربي. شمل ذلك طرد السفير الإسرائيلي في عام 2009، وإقامة علاقات وثيقة مع إيران بسبب عداوتهما المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل.
ومع ذلك، أدت هذه السياسات إلى عزل بوليفيا اقتصادياً وتقليل فرصها في الاستثمار والتنمية. كما أثارت احتجاجات شعبية واسعة النطاق في عام 2019، أجبرت موراليس على الاستقالة تحت ضغط من الجيش.
حكومة مؤقتة وعودة قصيرة لحزب MAS
بعد استقالة موراليس، تولت حكومة مؤقتة السلطة، وقامت بإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن في عام 2020، عاد حزب MAS إلى السلطة مع رئاسة لويس آرسي، الذي قطع العلاقات مع إسرائيل مرة أخرى في عام 2023، احتجاجاً على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
التقارب مع الولايات المتحدة: أبعاد جديدة
لا يقتصر تحول السياسة الخارجية البوليفية على إعادة العلاقات مع إسرائيل، بل يشمل أيضاً جهوداً مكثفة لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة. قام وزيرا الخارجية والاقتصاد البوليفيان هذا الأسبوع بزيارة واشنطن، حيث التقيا بمجموعة من المسؤولين الأمريكيين لمناقشة سبل تعزيز العلاقات الثنائية.
تهدف الحكومة البوليفية إلى جذب الاستثمارات الأمريكية، وتوسيع نطاق التبادل التجاري، والحصول على دعم الولايات المتحدة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما تسعى إلى التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب. السياسة الخارجية لبوليفيا تشهد بذلك تحولاً جذرياً نحو الانفتاح والتعاون مع الغرب.
مستقبل العلاقات البوليفية الإسرائيلية
من المرجح أن يؤدي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بوليفيا وإسرائيل إلى زيادة التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين. كما يمكن أن يفتح الباب أمام التعاون في مجالات أخرى، مثل الزراعة والتكنولوجيا والسياحة. التعاون الاقتصادي بين البلدين قد يشهد نمواً ملحوظاً في السنوات القادمة.
ومع ذلك، لا يزال هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها. من بين هذه التحديات، استمرار الخلافات حول القضية الفلسطينية، ووجود بعض الأصوات المعارضة في بوليفيا تعارض التقارب مع إسرائيل.
في الختام، يمثل قرار الحكومة البوليفية الجديدة استئناف العلاقات مع إسرائيل تحولاً جيوسياسياً هاماً في أمريكا الجنوبية. هذا القرار يعكس رغبة بوليفيا في إعادة تقييم سياستها الخارجية، والتقارب مع الولايات المتحدة، وتحقيق توازن جديد يخدم مصالحها الوطنية. من المتوقع أن يكون لهذا التحول تداعيات إيجابية على العلاقات الثنائية بين بوليفيا وإسرائيل، وعلى مستقبل التعاون بينهما في مختلف المجالات. لمتابعة آخر التطورات، يمكنكم زيارة المواقع الإخبارية المتخصصة في الشؤون اللاتينية.
