في قلب إنجلترا، وتحديدًا في كولشيل، يرتفع مشروع فريد من نوعه يهدف إلى إحياء الإيمان المسيحي وإعلانه للعالم. إنه الجدار الأبدي للصلاة المستجابة، وهو نصب تذكاري ضخم يتجاوز مفهوم المباني الدينية التقليدية، ويسعى لإيصال رسالة عن قوة الصلاة وتدخل الله في حياة الأفراد. هذا المشروع الطموح، الذي تقدر تكلفته بـ 45 مليون جنيه إسترليني، يمثل رؤية عميقة لريتشارد غامبل، المتحمس للإنجيل الذي عاش تجربة إيمانية قوية.
رؤية تحولت إلى واقع: قصة الجدار
بدأت قصة هذا الجدار الاستثنائي قبل عشرين عامًا، حيث تلقى ريتشارد غامبل رؤية من الله تدعوه إلى حمل صليب خشبي يبلغ طوله 9 أقدام لمسافة 77 ميلًا خلال أسبوع الآلام. وبعد إتمام هذه المهمة الشاقة، تلقى رؤية أكبر وأكثر جرأة: بناء جدار يوثق مليون قصة عن استجابة الله للصلوات. لم يكن الأمر مجرد حلم، بل تحول إلى مشروع ملموس بدأ غامبل في وضع حجر الأساس له مؤخرًا.
من المتوقع أن يبلغ ارتفاع الجدار الأبدي للصلاة المستجابة 168 قدمًا، مما يجعله واحدًا من أكبر المعالم المسيحية في إنجلترا، إن لم يكن في العالم. على الرغم من ضخامة حجمه، إلا أنه يختلف بشكل جذري عن النصب التذكارية الدينية التقليدية؛ فهو لا يضم صلبانًا أو رموزًا مسيحية مألوفة.
تصميم مبتكر ورسالة قوية
يتميز الجدار بتصميمه الفريد الذي يجسد شريط موبيوس الأبيض الضخم، بحجم ملعب كرة قدم تقريبًا. هذا الشريط سيغطى بمليون قالب طوب صغير مستطيل الشكل، يختم كل منها بقصة فردية عن صلاة استجاب لها الله. الأمر المذهل هو أن كل قصة ستكون مرتبطة رقميًا، ويمكن الوصول إليها من خلال تطبيق مخصص على الهواتف الذكية. يُعد هذا المزج بين الفن المعماري والتكنولوجيا الحديثة لتخليد ذكرى قوة الإيمان والتواصل مع الله.
يؤكد ريتشارد غامبل على أهمية هذا المشروع في سياق المجتمع البريطاني، حيث يشعر بأن المسيحية قد أُهمشت إلى حد كبير. اذًا، يمثل بناء هذا الجدار تحديًا لإحياء الإيمان المسيحي وإعلانه بفخر.
موقع استراتيجي وتأثير متوقع
تم اختيار موقع الجدار بعناية ليقع بالقرب من الطريق السريع M6، وهو أطول طريق سريع في المملكة المتحدة. يهدف هذا الموقع الاستراتيجي إلى ضمان رؤية النصب التذكاري من قبل الآلاف من السائقين والركاب يوميًا، وبالتالي إثارة فضولهم والتفكير في الرسالة التي يحملها.
مسابقة عالمية واختيار التصميم
لتحقيق رؤيته، أراد غامبل تصميمًا مبتكرًا يعبر عن المعنى العميق للمشروع. لذلك، تم طرح الفكرة أمام المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين، الذين نظموا مسابقة عالمية للتصميم في عام 2016. تلقى المعهد 133 مشاركة من 28 دولة، وتم اختيار شركة بريطانية لتصميم شريط موبيوس الذي يمثل الجدار الأبدي للصلاة المستجابة.
لماذا هذا الحياد في التصميم؟
يعتقد خبراء الاجتماع الديني أن حيادية تصميم الجدار قد تكون عاملًا مساعدًا في قبوله. يشير الأستاذ ماثيو جيست من جامعة دورهام، إلى أن استخدام الرمزية الدينية الصريحة قد يكون مثيرًا للجدل في المملكة المتحدة المتعددة الثقافات والأديان. التصميم الحالي يمثل نهجًا أكثر شمولية، وربما يساعد في تجنب ردود الفعل السلبية.
تراجع المسيحية في بريطانيا وصعود الإنجيلية
تشهد المسيحية تراجعًا مستمرًا في المملكة المتحدة. تظهر دراسة حديثة لمركز بيو للأبحاث أن نسبة المسيحيين انخفضت إلى أقل من 50٪ بين عامي 2010 و2020، بينما ارتفعت نسبة غير المنتسبين دينياً إلى 40٪. ومع ذلك، يلاحظ أن الكنائس الإنجيلية المستقلة، بما في ذلك الجماعات الكاريزمية والخمسينية، قد تكون الجزء الوحيد من المسيحية الذي يشهد نموًا في المملكة المتحدة.
قصص الصلوات المستجابة: جوهر الجدار
جوهر الجدار الأبدي للصلاة المستجابة يكمن في قصص الصلوات المستجابة. يقوم غامبل وفريقه المكون من 10 موظفين، منذ سنوات، بجمع هذه القصص من جميع أنحاء العالم، بدءًا من الكتاب المقدس. تهدف هذه القصص، التي تتراوح بين 500 كلمة مكتوبة وثلاث دقائق من الفيديو، إلى إظهار كيف تدخل الله في حياة الناس، ويمنحهم الشفاء، والنجاح، والتعافي من الإدمان، والمصالحة، ونعمة إنجاب الأطفال.
ستُحتفظ بكل قصة في قاعدة بيانات رقمية مرتبطة بقالب طوب معين على الجدار. سيتمكن الزوار من تنزيل تطبيق على هواتفهم الذكية، واستخدام الموقع لتحديد القصة المرتبطة بالقالب الموجود أمامهم، ثم قراءتها أو الاستماع إليها أو مشاهدتها.
ليس مجرد نعم: استجابة الله في كل الأحوال
يؤكد غامبل على أن استجابة الله للصلوات لا تقتصر على الإجابة بـ “نعم” فحسب. ففي بعض الأحيان، تكون الإجابة “انتظر”، وفي أحيان أخرى تكون “لا”. الأمر المهم بالنسبة له هو الحفاظ على التواصل مع الله، والاعتراف بوجوده النشط في حياتنا.
هدف أسمى: إثارة فضول الناس عن الإيمان
يتوقع غامبل أن يثير الجدار فضول الكثير من الناس، حتى أولئك الذين لا يميلون إلى الإيمان. يأمل أن يكون هذا النصب التذكاري بمثابة نقطة انطلاق لبدء حوار حول الإيمان، وأن يدفع الناس إلى البحث عن العلاقة مع يسوع المسيح. حتى لو اعتبر البعض الجدار مجرد قطعة معمارية رائعة، فهو يعتبر ذلك بمثابة “فوز” لأنه سيجعلهم يفكرون في الرسائل المسيحية.
الجدار الأبدي للصلاة المستجابة هو أكثر من مجرد بناء؛ إنه رمز للأمل، والإيمان، والمحبة، وهو دعوة للجميع للتواصل مع الله والاعتراف بقوته في حياتهم. إنه مشروع طموح يهدف إلى تغيير المشهد الروحي في المملكة المتحدة، وربما في العالم.
