تشهد العلاقات الصينية الهندية حالة من التوتر المستمر منذ عقود، ولكنها تصاعدت خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت، خاصة في ظل تزايد المشاريع الصينية المتعلقة ببناء السدود على الأنهار العابرة للحدود، إلى جانب النزاعات الجغرافية التي تطفو بين الحين والآخر في مناطق الهيمالايا. ومع تعاظم النفوذ الإقليمي لكل من بكين ونيودلهي، تزداد أهمية هذه العلاقة في رسم ملامح الأمن والاستقرار في القارة الآسيوية.

الصين والهند: علاقات تاريخية محفوفة بالتوتر

يعود التوتر بين الصين والهند إلى حرب 1962، التي اندلعت بسبب نزاع حدودي في جبال الهيمالايا. ومنذ ذلك الحين، ورغم توقيع اتفاقيات سلام وترسيم خطوط السيطرة الفعلية، لا تزال الحدود المشتركة، التي تمتد لأكثر من 3,400 كيلومتر، تشهد مناوشات واشتباكات، أبرزها ما وقع في وادي جالوان عام 2020 وأسفر عن قتلى من الجانبين. هذه المواجهات توضح هشاشة العلاقات الثنائية، وصعوبة بناء الثقة بين القوتين النوويتين.

بناء السدود: لعبة المياه التي تثير مخاوف نيودلهي

تعتبر الصين من أكبر الدول بناءً للسدود في العالم، وقد أعلنت في السنوات الأخيرة عن مشاريع ضخمة لتشييد سدود على أنهار مهمة مثل نهر يارلونغ تسانغبو (براهمابوترا بعد دخوله الهند). ويُعد هذا النهر مصدرًا أساسيًا للمياه والطاقة في شمال شرق الهند، ما يجعل أي تحكم صيني في تدفقه أمرًا حساسًا.

تشعر الهند أن الصين قد تستخدم المياه كورقة ضغط في الأزمات، وهو ما يهدد أمنها المائي والاقتصادي. ورغم أن بكين تؤكد التزامها بالتعاون، إلا أن غياب الشفافية في بعض المشاريع يعمّق المخاوف.

الحدود: نار تحت الرماد

المناطق الحدودية بين البلدين مثل أروناتشال براديش ولداخ تمثل بؤر توتر مستمر. فبينما تعتبر الهند هذه المناطق جزءًا من أراضيها السيادية، ترى الصين أنها أراضٍ متنازع عليها. تقوم كل من الصين والهند بتعزيز وجودها العسكري في هذه المناطق، بما في ذلك بناء الطرق والقواعد العسكرية.

ورغم المفاوضات العسكرية والدبلوماسية المستمرة، لم يتم التوصل إلى تسوية دائمة. بل إن هناك تخوفًا من أن تؤدي أي مواجهة جديدة إلى تصعيد عسكري واسع، خصوصًا في ظل وجود قوات كبيرة في مناطق حساسة.

الأمن القومي الهندي: حسابات استراتيجية جديدة

تؤمن الهند بأن عليها تطوير قدراتها الدفاعية والتكنولوجية لمواجهة التحديات الصينية، سواء كانت مائية أو عسكرية أو اقتصادية. وقد انعكس هذا التوجّه في السياسات الدفاعية الجديدة، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مثل تحالف “كواد” (QUAD) الذي يضم إلى جانبها الولايات المتحدة، اليابان، وأستراليا، والهادف إلى تعزيز الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

كما بدأت نيودلهي بتنويع مصادر استيرادها، وتحفيز الصناعات المحلية لتقليل الاعتماد على السوق الصينية، في محاولة لتعزيز الأمن الاقتصادي.

التعاون الاقتصادي: رغم الخلافات، المصالح المشتركة مستمرة

ورغم التوترات المتكررة، لا يمكن إنكار وجود شراكة اقتصادية كبيرة بين الصين والهند. فالصين تُعد من أكبر الشركاء التجاريين للهند، حيث تستورد منها نيودلهي العديد من المواد الخام والمنتجات التقنية. إلا أن هذه العلاقة الاقتصادية قد تكون أيضًا عرضة للتأثر بالنزاعات السياسية والعسكرية، ما يدفع الهند إلى البحث عن بدائل أكثر أمانًا من الناحية الاستراتيجية، خصوصًا في القطاعات الحساسة مثل التكنولوجيا والاتصالات.

تأثير التنافس الصيني الهندي على المنطقة

لا يقتصر تأثير التوتر بين الصين والهند على البلدين فقط، بل يمتد ليشمل دول الجوار مثل نيبال وبوتان وباكستان، ويؤثر على تحالفات إقليمية كبرى. كما أن صراعهما الجيوسياسي يعيد تشكيل التحالفات الدولية، مع تقارب الهند من الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة، في مقابل تعزيز الصين لتحالفاتها مع روسيا وبعض دول جنوب شرق آسيا. هذا التنافس قد يكون له انعكاسات عميقة على مستقبل الأمن والتنمية في آسيا بأكملها.

خاتمة: علاقات معقدة تحتاج إلى توازن

العلاقات الصينية الهندية لا تُختزل في النزاعات، بل تشمل أيضًا مصالح تجارية كبيرة، حيث تُعد الصين من أكبر شركاء الهند التجاريين. ومع ذلك، فإن استمرار النزاعات الحدودية، وتوسع الصين في مشاريع مائية حساسة، يجعل من الصعب الوصول إلى علاقة مستقرة دون وجود إطار قانوني ملزم وواضح لتقاسم الموارد وإدارة الخلافات.

 

 

 

شاركها.