أوفيرا (الكونغو) – ساد مناخ من الخوف يوم السبت في مدينة أوفيرا الاستراتيجية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد أيام من سقوطها في يد حركة 23 مارس المتمردة، بدعم من رواندا، رغم اتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة. يعكس هذا الوضع المتأزم التحديات المستمرة التي تواجهها المنطقة، ويؤكد على الحاجة الملحّة لإيجاد حلول مستدامة للأزمة.
تصاعد القتال في أوفيرا وتهديد الاستقرار الإقليمي
شهدت أوفيرا، التي كانت آخر معقل رئيسي للحكومة الكونغولية في مقاطعة جنوب كيفو قبل سقوط بوكافو في فبراير الماضي، تحولًا جذريًا بعد سيطرة حركة 23 مارس عليها. هذا الاستيلاء يمنح المتمردين ممرًا واسعًا من النفوذ عبر شرق الكونغو، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والإنساني.
الوضع في المدينة لم يعد إلى طبيعته، حيث ساد الصمت وحركة المرور انقطعت باستثناء الدوريات العسكرية. البنوك أغلقت أبوابها، ولم يستأنف السكان أعمالهم، وعندما يجرؤ البعض على الخروج خلال النهار، فإن الخوف يمنعهم من التجول بعد غروب الشمس. هذا الوجود المسلح المكثف لخطة M23 يخلق بيئة من عدم اليقين والرعب.
الوضع الإنساني المتردي والنزوح الجماعي
بالإضافة إلى أكثر من 400 شخص قُتلوا في الأشهر الأخيرة، تشير التقديرات إلى نزوح حوالي 200 ألف شخص بسبب القتال المتصاعد. هذا الرقم المأساوي يوضح حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها السكان المحليون.
يعكس حديث ماريا إستير، أم لعشرة أطفال، حالة الارتباك والخوف التي تعيشها العائلات. تقول: “غادر بعض الناس المدينة، لكننا بقينا. لكن الوضع لم يعد إلى طبيعته، ولم نستأنف أنشطتنا المعتادة بسبب عدم وجود أموال متداولة”. كما تعبر جولي بولامبو عن تقديرها للخسائر الأقل مقارنة بما حدث في غوما، معربة عن إيمانها بأن الله تعهد بحمايتهم.
اتفاق السلام المتعثر ودور الولايات المتحدة
الهدنة الأخيرة التي وقعها الرئيسان الكونغولي والرواندي في واشنطن، بمساعدة الولايات المتحدة، لم تنجح في تحقيق الاستقرار المنشود. تتهم الولايات المتحدة رواندا بانتهاك الاتفاق من خلال دعمها حركة 23 مارس، وتحذر من أنها ستتخذ إجراءات ضد أي طرف يقوض هذا الاتفاق.
هذا التطور يثير تساؤلات حول جدوى الجهود الدبلوماسية، ويؤكد على الحاجة إلى ضغوط دولية أكبر لضمان التزام جميع الأطراف باتفاق السلام. وتضع الولايات المتحدة نفسها في موقف حاسم ويتطلب منها اتخاذ إجراءات ملموسة لدعم الاستقرار في المنطقة.
اتهامات متبادلة وتصعيد الأزمة
بالرغم من الاتفاق المبرم، تستمر الاتهامات المتبادلة بين الكونغو ورواندا وحركة 23 مارس. تتهم الكونغو رواندا بدعم المتمردين سياسيًا وماليًا، بينما تنفي رواندا هذه الاتهامات وتلقي باللوم على الكونغو في عدم الالتزام بوقف إطلاق النار.
وزيرة الخارجية الكونغولية، تيريز كايكوامبا فاغنر، وصفت الاتفاق باحتمال “نقطة تحول تاريخية”، لكنها أبدت قلقها من أن “العملية برمتها أصبحت على المحك”. وتطالب مجلس الأمن بفرض عقوبات على المسؤولين عن الهجمات وحظر صادرات المعادن من رواندا.
من جانبه، يرى برتراند بيسيموا، نائب منسق حركة التمرد، أن التزامات السلام بقيت “نظرية” ولا يوجد تنفيذ حقيقي لها على الأرض. ويستدل على ذلك بتصاعد الأحداث في أوفيرا وتهديدها للأمن الإقليمي.
خطر الامتداد الإقليمي للصراع
يمثل التقدم الذي أحرزته حركة 23 مارس تهديدًا متزايدًا للدول المجاورة، وخاصة بوروندي التي تحتفظ بقوات في شرق الكونغو. يشير هذا التطور إلى خطر انتشار الصراع عبر الحدود، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها.
وقد عبر مدنيون بالفعل إلى بوروندي، وهناك تقارير عن سقوط قذائف على بلدة روغومبو البوروندية، مما يعزز المخاوف من امتداد العنف إلى الأراضي البوروندية.
جذور الأزمة: الصراع على الموارد
يتجذر الصراع في شرق الكونغو في التنافس الشديد على الموارد الطبيعية الغنية، وخاصة المعادن. تتنافس أكثر من 100 جماعة مسلحة على السيطرة على هذه الموارد، مما يؤدي إلى دورة لا نهاية لها من العنف والفوضى.
الأمم المتحدة تقدر أن الصراع تسبب في نزوح أكثر من 7 ملايين شخص، مما يجعلها واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. فهم هذا العامل المحرك هو أمر ضروري للوصول إلى حلول مستدامة ورفع المعاناة عن المدنيين.
مستقبل أوفيرا والمنطقة
لا يزال مستقبل أوفيرا والمنطقة برمتها غير واضح. يتطلب تحقيق الاستقرار حلولًا شاملة تعالج جذور المشكلة، وتعزز الحوار بين جميع الأطراف، وتضمن حماية المدنيين.
يجب على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة ورواندا، أن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يعملوا بجد لإنهاء هذا الصراع الدائر. إنّ الوضع في أوفيرا يمثل اختبارًا حقيقيًا لإرادة المجتمع الدولي في تحقيق السلام والأمن في منطقة شرق الكونغو.
الكلمات المفتاحية: أوفيرا، الكونغو، حركة 23 مارس، رواندا، اتفاق السلام، الصراع، النزوح، بوروندي، الموارد الطبيعية.
