ليما، بيرو – حكمت المحكمة العليا في بيرو على الرئيس السابق بيدرو كاستيلو بالسجن 11.5 سنة، في قرار تاريخي هزّ الأوساط السياسية في البلاد. يأتي هذا الحكم بتهمة التآمر لارتكاب تمرد، بعد محاولته حل الكونغرس في ديسمبر 2022، في خطوة اعتبرت محاولة للإبقاء على السلطة في وجه إجراءات عزله. هذا الحدث يمثل نقطة تحول في المشهد السياسي البيروفي، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية والاستقرار في البلاد.
حكم السجن على بيدرو كاستيلو وتداعياته
الحكم الصادر بحق كاستيلو ليس مجرد عقوبة شخصية، بل هو رسالة قوية تؤكد على سيادة القانون واستقلالية القضاء في بيرو. بالإضافة إلى السجن، منعت المحكمة العليا كاستيلو من تولي أي مناصب عامة لمدة عامين. هذا المنع يضع حدًا لأي طموحات سياسية مستقبلية للرئيس السابق، الذي كان يمثل نفسه مدافعًا عن الفقراء والمهمشين.
تفاصيل القضية والإدانة
القضية تعود إلى ديسمبر 2022، عندما حاول كاستيلو حل الكونغرس قبل تصويت المشرعين على عزله. اعتبرت المحكمة العليا هذه الخطوة محاولة انقلابية لتقويض النظام الديمقراطي. تم اعتقال كاستيلو بعد ساعات قليلة من محاولته، ومنذ ذلك الحين وهو قيد الاحتجاز. كما حُكم على اثنين من وزرائه السابقين، بما في ذلك رئيسة الوزراء السابقة بيتسي شافيز، بنفس العقوبة.
قضية بيتسي شافيز والتوتر مع المكسيك
تعتبر قضية بيتسي شافيز، التي لجأت إلى السفارة المكسيكية في ليما للحصول على اللجوء، بُعدًا آخر في هذه الأزمة. المكسيك منحت شافيز حق اللجوء، وهو ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين بيرو والمكسيك. الحكومة البيروفية تعتبر منح اللجوء لوزيرة متهمة بجرائم خطيرة تدخلًا في شؤونها الداخلية. شافيز لا تزال داخل السفارة المكسيكية، مما يزيد من تعقيد الوضع الدبلوماسي.
سلسلة الأحكام القضائية الأخيرة في بيرو
هذا الحكم يأتي في أعقاب حكم آخر صدر هذا الأسبوع ضد رئيس بيرو السابق مارتن فيزكارا، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 14 عامًا بتهمة تلقي رشاوى. هذه الأحكام المتتالية تظهر جهودًا متزايدة لمكافحة الفساد وتعزيز المساءلة في بيرو. الفساد السياسي لطالما كان تحديًا كبيرًا يواجه البلاد، وهذه الأحكام قد تمثل بداية حقبة جديدة من النزاهة والشفافية.
صعود كاستيلو وسقوطه
تولى بيدرو كاستيلو الرئاسة في عام 2021، واعدًا بتغيير جذري في بيرو. كان أول رئيس في تاريخ البلاد يأتي من مجتمع زراعي فقير، مما أثار آمالًا كبيرة بين الفئات المهمشة. ومع ذلك، افتقاره إلى الخبرة السياسية، بالإضافة إلى اتهامات بالفساد وسوء الإدارة، أدى إلى تدهور شعبيته وفقدانه الثقة. الاستقرار السياسي في بيرو تأثر بشكل كبير بفترة حكمه القصيرة والمضطربة.
خلفية كاستيلو وتحدياته
كاستيلو، وهو مدرس سابق، دخل عالم السياسة دون أي خلفية حزبية أو سياسية قوية. فوزه في الانتخابات الرئاسية كان مفاجئًا للعديد من المراقبين، حيث تغلب على منافسين أقوياء من الأحزاب التقليدية. ومع ذلك، سرعان ما واجه تحديات كبيرة، بما في ذلك جائحة كوفيد-19، والركود الاقتصادي، والاضطرابات الاجتماعية.
انتقال السلطة إلى دينا بولوارتي
بعد عزل كاستيلو، تولت نائبة الرئيس دينا بولوارتي السلطة. ومع ذلك، لم تتمكن بولوارتي من تحقيق الاستقرار السياسي أو استعادة الثقة العامة. أُقيلت بولوارتي من منصبها في أكتوبر 2023، بعد فترة حكم اتسمت بالاحتجاجات العنيفة والفوضى. الرئيس الحالي، خوسيه جيري، وهو زعيم المؤتمر السابق، يواجه الآن تحديات مماثلة في محاولة قيادة البلاد نحو الاستقرار والازدهار. الأزمة السياسية في بيرو مستمرة، ولا يزال مستقبل البلاد غير واضح.
إمكانية الاستئناف والمستقبل السياسي
يمكن لكاستيلو ووزرائه السابقين استئناف الحكم الصادر بحقهم. من غير الواضح ما إذا كانت الاستئنافات ستنجح، ولكنها قد تؤخر تنفيذ العقوبة. بغض النظر عن نتيجة الاستئنافات، فإن هذا الحكم يمثل نهاية فصل مهم في التاريخ السياسي البيروفي. يبقى أن نرى كيف ستتطور الأمور في المستقبل، وما إذا كانت بيرو ستتمكن من تجاوز هذه الأزمة والبدء في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
في الختام، حكم السجن على بيدرو كاستيلو يمثل لحظة حاسمة في تاريخ بيرو. هذا الحكم يؤكد على أهمية سيادة القانون والديمقراطية، ولكنه يطرح أيضًا تساؤلات حول مستقبل البلاد. من الضروري أن تستمر بيرو في معالجة قضايا الفساد وعدم الاستقرار السياسي من أجل بناء مستقبل أفضل لشعبها. ندعو القراء إلى متابعة التطورات في بيرو، والمشاركة في الحوار حول مستقبل الديمقراطية في المنطقة.
