في خضم التوترات المتزايدة في أوروبا الشرقية، وتحديداً مع استمرار الحرب في أوكرانيا، برزت تساؤلات حول مستقبل التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي (الناتو). هذه التساؤلات ازدادت حدةً مع غياب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن اجتماع وزراء خارجية الحلف المرتقب، بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس السابق دونالد ترامب والتي أثارت قلق الحلفاء الأوروبيين. يهدف هذا المقال إلى استكشاف هذه المخاوف، وتحليل ردود الأفعال، وتقييم التأثير المحتمل على مستقبل الحلف، مع التركيز على الناتو و الولايات المتحدة.

تأكيدات روتي حول التزام واشنطن بالناتو

وسط هذه الأجواء، حرص الأمين العام لحلف الناتو، مارك روتي، على نفي وجود أي مخاوف حقيقية بشأن التزام الولايات المتحدة بالمنظمة العسكرية. وأكد روتي، في حديث للصحفيين قبيل الاجتماع، أن غياب بلينكن يرجع إلى ازدحام جدول أعماله وليس لأي سبب يتعلق بتشكيك الولايات المتحدة في دورها داخل الحلف. وأضاف روتي أنه يثق تمامًا في أن الولايات المتحدة ستواصل أداء دورها الحيوي في دعم أمن أوروبا.

خطة ترامب المثيرة للجدل وتداعياتها على أمن أوروبا

لكن هذه التأكيدات لم تمنع تداول تقارير حول خطة محتملة للإدارة الأمريكية، بقيادة دونالد ترامب، لإنهاء الحرب في أوكرانيا. تتضمن هذه الخطة، وفقًا لمسودات سربت إلى وسائل الإعلام، تنازلات كبيرة لروسيا، بما في ذلك وقف توسع الناتو وعدم قبول أوكرانيا كعضو في الحلف. هذه المقترحات أثارت استياءً واسعًا في صفوف الحلفاء الأوروبيين والكنديين، الذين يرون فيها تنازلاً عن مبادئ أساسية وتقويضًا لأمنهم.

التهديد الروسي المتزايد وضرورة التمسك بالناتو

يعتبر العديد من القادة الأوروبيين الغزو الروسي لأوكرانيا تهديدًا وجوديًا لأمن القارة. ويحذرون من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يسعى إلى توسيع نطاق اعتداءاته ليشمل دولًا أخرى في أوروبا إذا شعر بأنه حقق نصرًا في أوكرانيا. في هذا السياق، يرى هؤلاء القادة أن التمسك بوحدة الناتو وقوة ردعه هو أمر ضروري لمواجهة هذا التهديد المتزايد. الأمن الأوروبي يعتمد بشكل كبير على قوة الحلف.

الضغوط على الحلفاء الأوروبيين لزيادة الإنفاق الدفاعي

في الوقت نفسه، تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على حلفائها الأوروبيين لزيادة إنفاقهم على الدفاع. وخلال الاجتماع، من المتوقع أن يحث نائب وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لانداو، الحلفاء على الوفاء بالتزاماتهم بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، بل والسعي إلى تحقيق نسبة 5% كما اقترحت الإدارة الأمريكية. هذه الخطوة تهدف إلى تخفيف العبء المالي على الولايات المتحدة وتعزيز قدرات الحلف الدفاعية بشكل عام.

مخاوف بشأن الانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية من أوروبا

تتزايد المخاوف أيضًا بشأن احتمال قيام الولايات المتحدة بسحب المزيد من قواتها من أوروبا. أعلنت رومانيا مؤخرًا أن الولايات المتحدة ستخفض عدد قواتها المنتشرة في البلاد بنحو 3000 جندي، وذلك في إطار إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية والتركيز على التهديدات الأمنية في آسيا. من المتوقع أن تعلن الإدارة الأمريكية عن خططها للتحركات العسكرية المستقبلية في أوائل عام 2026، مما يزيد من حالة عدم اليقين السائدة في أوروبا. ويثير هذا الأمر تساؤلات حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في القارة وتأثيره على ميزان القوى الإقليمي.

هل فقدت الولايات المتحدة اهتمامها بالناتو؟

يبدو أن تصريحات ترامب الأخيرة تثير الشكوك حول مدى اهتمام الولايات المتحدة المستقبلي بمصير الناتو. فقد انتقد ترامب الحلف ووصف قادته بأنهم “مجموعة لطيفة من الناس” معربًا عن امتنانه لدفعهم فواتير كبيرة مقابل الأسلحة الأمريكية. هذه التصريحات، بالإضافة إلى خطته المثيرة للجدل لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تثير قلق الحلفاء الأوروبيين وتدفعهم إلى التساؤل عن مدى إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة في المستقبل. القيادة الأمريكية تقليدية في الحلف، لكنها الآن موضع تساؤل.

مستقبل الناتو وعضوية أوكرانيا

على الرغم من التحديات والصعوبات، يظل الناتو حجر الزاوية في الأمن الأوروبي والأطلسي. ويؤكد روتي على أن أوكرانيا لا تزال على “طريق لا رجعة فيه” نحو العضوية في الحلف، على الرغم من استحالة تحقيق ذلك في الوقت الحالي بسبب عدم وجود إجماع بين جميع الأعضاء. ويشير إلى أن المجر وسلوفاكيا تعارضان بشدة انضمام أوكرانيا، بالإضافة إلى موقف الإدارة الأمريكية الحالي.

في الختام، يواجه حلف الناتو فترة حرجة من تاريخه. تتطلب هذه الفترة تكاتفًا وتعاونًا وثيقًا بين جميع الأعضاء، وخاصة الولايات المتحدة، لمواجهة التحديات المتزايدة وتعزيز الأمن والاستقرار في أوروبا. من الضروري أن تستمر الولايات المتحدة في إظهار التزامها القوي بالناتو وأن تعمل مع حلفائها على إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة في أوكرانيا، مع الحفاظ على مبادئ الحلف وقيمه الأساسية. نأمل أن يساهم اجتماع وزراء الخارجية في تبديد المخاوف وتعزيز الثقة بين الحلفاء.

شاركها.