في مشهد مؤثر ومحزن، تجمع آلاف الأستراليين على شاطئ بوندي الشهير في سيدني، مساء الأحد، في ذكرى مأساوية. هذا التجمع الجماهيري، الذي شهد إجراءات أمنية مشددة، جاء إحياءً لذكرى مرور أسبوع على الهجوم الإرهابي الذي استهدف مهرجانًا يهوديًا، وأسفر عن مقتل 15 شخصًا بريئًا. هذه الجريمة البشعة هزت أستراليا بأكملها، وأثارت موجة غضب وتضامن واسعة، كما دفعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة معاداة السامية وتشديد قوانين الأسلحة.

ردود الفعل الرسمية والتضامن الوطني

شارك في مراسم إحياء الذكرى شخصيات بارزة في الدولة، بما في ذلك رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز، ورؤساء الوزراء السابقين جون هوارد وسكوت موريسون، والحاكم العام سام موستين، ممثلًا الملك تشارلز الثالث. وقد عبر رئيس الوزراء ألبانيز عن حزنه العميق، مؤكدًا على التزام الحكومة بحماية الجالية اليهودية وضمان سلامتها.

وقال ديفيد أوسيب، رئيس مجلس النواب اليهودي في نيو ساوث ويلز، في كلمة مؤثرة أمام الحشد: “يجب أن يكون هذا هو الحضيض لمعاداة السامية في بلادنا. يجب أن تكون هذه هي اللحظة التي يبدأ فيها الضوء في كسوف الظلام.” وقد لاقت كلماته صدى واسعًا بين الحاضرين، الذين عبروا عن دعمهم وتضامنهم مع الجالية اليهودية.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة الفيدرالية وحكومة ولاية نيو ساوث ويلز يوم الأحد يومًا وطنيًا للتأمل، تكريمًا لضحايا هذه المأساة، وهي أسوأ حادثة إطلاق نار جماعي في أستراليا منذ عام 1996. وقد تم تنكيس الأعلام على جسر ميناء سيدني والمباني الحكومية، كما أضاءت المباني باللون الأصفر، رمزًا للتضامن مع الجالية اليهودية.

انتقادات نتنياهو وتداعيات القضية الفلسطينية

لم تخلُ ردود الفعل الدولية من التعقيد. فقد انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز بسبب إشارته إلى إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية. وقال نتنياهو إن هذه الدعوة “تصُب الوقود على نار معاداة السامية“.

ويأتي هذا الانتقاد في سياق سعي نتنياهو المستمر لربط الدعوات لإقامة دولة فلسطينية، والانتقادات الموجهة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بتصاعد حوادث معاداة السامية حول العالم. هذا الربط أثار جدلاً واسعًا، حيث يرى البعض أنه محاولة لتسييس القضية الفلسطينية واستغلالها في خدمة أهداف سياسية.

أبطال المذبحة ومراجعة قوانين الأسلحة

وسط الحزن والأسى، ظهرت قصص بطولية خلال المذبحة. أحد هذه القصص هو قصة أحمد الأحمد، الذي تصارع مع أحد المسلحين، مما ساهم في تقليل عدد الضحايا. وقد أرسل الأحمد رسالة دعم من سريره في المستشفى، مؤكدًا على وقوفه مع الجالية اليهودية. كما تمت دعوة والده، محمد فاتح الأحمد، لإشعال شمعة على الشمعدان اليهودي (الشمعدان) في الليلة الأخيرة من عيد حانوكا، كرمز للتضامن والوحدة.

وقد أعلن رئيس الوزراء ألبانيز عن مراجعة شاملة لوكالات إنفاذ القانون والمخابرات الفيدرالية، في أعقاب الهجوم الذي استلهمه تنظيم الدولة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، تعهد اجتماع طارئ للقادة الفيدراليين وقادة الولايات بتشديد قوانين الأسلحة الوطنية، بما في ذلك الحد من عدد الأسلحة التي يمكن للفرد امتلاكها.

تجدر الإشارة إلى أن ساجد أكرم، والد أحد المشتبه بهما، كان يمتلك بشكل قانوني ستة بنادق، بما في ذلك الأسلحة المستخدمة في الهجوم. هذه الحقيقة أثارت تساؤلات حول فعالية قوانين الأسلحة الحالية، وضرورة إجراء تعديلات عليها. ومن المقرر أن يناقش برلمان ولاية نيو ساوث ويلز قوانين خطاب الكراهية الجديدة ومسودات الأسلحة في اجتماع يوم الاثنين.

التضامن المجتمعي وذكرى الضحايا

بعيدًا عن شاطئ بوندي، اتحد الناس في جميع أنحاء أستراليا مع الجالية اليهودية المنكوبة. وقد قاموا بإضاءة الشموع والوقوف دقيقة صمت في منازلهم عند الساعة 6:47 مساءً، لتذكر لحظة وقوع المذبحة. كما توقفت شبكات التلفزيون والراديو في جميع أنحاء أستراليا عن البث لعدة دقائق، كعلامة احترام وتقدير للضحايا.

تم عرض صور الضحايا، الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و87 عامًا، خلال مراسم إحياء الذكرى. وقد تم غناء أغنية “Waltzing Matilda” تكريمًا لأصغر ضحية، وهي فتاة أسترالية المولد من أصل أوكراني، والتي أعطاها والداها هذا الاسم كرمز لانتمائها إلى أستراليا.

هذا التجمع الجماهيري، والتضامن الواسع الذي أبداه المجتمع الأسترالي، يرسل رسالة قوية مفادها أن العنف والكراهية لن ينتصرا. كما يؤكد على أهمية الوحدة والتكاتف في مواجهة التطرف والإرهاب.

الخلاصة

لقد كانت مأساة بوندي بمثابة نقطة تحول في أستراليا، حيث سلطت الضوء على خطر معاداة السامية وضرورة مكافحتها. وقد أثارت هذه الجريمة البشعة نقاشًا وطنيًا حول قوانين الأسلحة وخطاب الكراهية، وأدت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الجالية اليهودية وضمان سلامتها. إن تذكر الضحايا والتعبير عن التضامن معهم هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر تسامحًا وعدلاً. ويجب على الجميع، أفرادًا ومؤسسات، أن يلعبوا دورًا فعالًا في مكافحة العنصرية والتمييز بكل أشكالهما.

شاركها.