في تطور لافت يلقي بظلاله على المشهد السياسي في هندوراس، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قيودًا على تأشيرات اثنين من كبار مسؤولي الانتخابات المنتمين إلى حزب LIBRE اليساري الحاكم. يأتي هذا الإجراء في خضم حالة من الغموض والترقب بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي لا يزال الجدل يكتنفها. هذه الخطوة تثير تساؤلات حول التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لدولة أمريكا الوسطى، وتأثير السياسة الأمريكية على العملية الديمقراطية هناك.
قيود التأشيرات وتصعيد التوتر السياسي في هندوراس
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان رسمي يوم الجمعة الماضي، عن إلغاء تأشيرة قاضي محكمة العدالة الانتخابية، ماريو مورازان، ورفض طلب الحصول على تأشيرة لعضو المجلس الانتخابي الوطني، مارلون أوتشوا. القرار، الذي استهدف شخصيتين بارزتين في الحزب الحاكم، LIBRE (حزب الحرية وإعادة التأسيس)، أثار ردود فعل متباينة في هندوراس وخارجها.
البيان الأمريكي أكد أن هذه الإجراءات تأتي ردًا على “الأعمال التي تقوض أمننا القومي واستقرار منطقتنا”، مع الإشارة إلى عزم الولايات المتحدة على اتخاذ “كافة الإجراءات المناسبة لردع من يعرقلون عملية فرز الأصوات في هندوراس”. هذا التصريح يعكس قلقًا متزايدًا في واشنطن بشأن سير العملية الانتخابية، ويشير إلى تدخل محتمل في تفاصيلها.
مراجعة الأصوات الخاصة وتأخير إعلان النتائج
بعد مرور ما يقرب من 20 يومًا على إجراء الانتخابات، لا يزال الشعب الهندوراسي ينتظر بفارغ الصبر إعلان النتائج النهائية للسباق الرئاسي. الفارق الضئيل بين المرشحين الرئيسيين استدعى إجراء مراجعة خاصة لـ 2792 صندوق اقتراع، بهدف التحقق من وجود أي تناقضات أو أخطاء مزعومة.
بدأ مسؤولو الانتخابات عملية فرز الأصوات الخاصة يوم الخميس الماضي، بعد أكثر من أسبوع من الشلل الذي أعاق العد. هذا التأخير زاد من حدة التوتر السياسي، وأثار مخاوف بشأن نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
صعود المحافظين ودعم ترامب
حتى الآن، وبعد فرز 99.85% من الأصوات، يتصدر المرشح المحافظ نصري عصفورا، عن الحزب الوطني، النتائج. هذا الفوز المحتمل يعكس تحولًا نحو اليمين في المشهد السياسي الهندوراسي.
من الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان قد أعلن دعمه لعصفورا قبل الانتخابات، مما أثار اتهامات بالتدخل في الانتخابات من قبل خصومه. هذا الدعم العلني يعكس استراتيجية إدارة ترامب في أمريكا اللاتينية، والتي تركز على دعم الحلفاء اليمينيين وممارسة الضغوط على الخصوم، وخاصةً اليساريين. الانتخابات في هندوراس أصبحت بذلك ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية.
موقف المرشحين الآخرين
يحتل المرشح المحافظ سلفادور نصر الله، من الحزب الليبرالي، المركز الثاني بفارق ضئيل عن عصفورا، حيث حصل على 39.64% من الأصوات. في المقابل، جاء مرشح الحزب الحاكم، ريكسي مونكادا، في المركز الثالث بنسبة 19.12% من الأصوات، ورفض الاعتراف بالنتائج المعلنة حتى الآن. هذا الرفض يعكس عدم ثقة المعارضة في نزاهة العملية الانتخابية، ويؤكد على استمرار حالة عدم اليقين السياسي.
تدخل إدارة ترامب في شؤون هندوراس
يمثل هذا الإجراء الأخير مثالًا آخر على تأثير إدارة ترامب المتزايد في شؤون هندوراس طوال فترة الانتخابات. خلال فترة ولايته، مارست الولايات المتحدة نفوذها في أمريكا اللاتينية بشكل أكثر عدوانية من معظم الحكومات الأمريكية في التاريخ الحديث.
إضافة إلى دعمها العلني للأحزاب اليمينية، مارست إدارة ترامب ضغوطًا عقابية على الخصوم، وغالبًا ما كانت تستهدف الأحزاب اليسارية. كما أصدر ترامب عفواً عن الرئيس الهندوراسي السابق خوان أورلاندو هيرنانديز، الذي حكم عليه بالسجن لمدة 45 عامًا لدوره في عمليات تهريب المخدرات. هذه القرارات تثير تساؤلات حول دوافع السياسة الأمريكية في المنطقة، وتأثيرها على الديمقراطية وحقوق الإنسان. العلاقات بين هندوراس والولايات المتحدة تشهد بذلك فترة حرجة.
مستقبل هندوراس والتدخل الخارجي
إن قيود التأشيرات التي فرضتها إدارة ترامب على مسؤولي الانتخابات الهندوراسيين تزيد من تعقيد المشهد السياسي، وتثير مخاوف بشأن التدخل الخارجي في العملية الديمقراطية. الوضع السياسي في هندوراس يتطلب حوارًا وطنيًا شاملًا، يهدف إلى تحقيق توافق حول نتائج الانتخابات، وضمان انتقال سلمي للسلطة.
من الضروري أن تحترم الولايات المتحدة سيادة هندوراس، وأن تتجنب أي إجراءات قد تقوض العملية الديمقراطية. يجب على المجتمع الدولي أن يدعم جهود هندوراس في بناء ديمقراطية قوية ومستقرة، وأن يراقب عن كثب سير العملية الانتخابية، لضمان نزاهتها وشفافيتها. مستقبل هندوراس يعتمد على قدرة شعبها على التغلب على التحديات السياسية، وبناء مستقبل أفضل لأنفسهم.
