تُثير الظواهر الفلكية دائمًا شغف البشرية، وفي هذا الأسبوع، يشهد عالم الفلك حدثًا فريدًا من نوعه: مرور مذنب بين النجوم بالقرب من الأرض. هذا الزائر القادم من أعماق الفضاء، والمُعروف باسم 3I/أطلس، يمثل فرصة ذهبية للعلماء ولاعبي الفلك هواة لدراسة أجسام تتشكل في أنظمة نجمية بعيدة. هذا المذنب، الذي اكتشف خلال الصيف، سيصل إلى أقرب نقطة له من كوكبنا يوم الجمعة، قبل أن يكمل رحلته ويختفي مجددًا في الفضاء السحيق.
ما هو المذنب 3I/أطلس ولماذا هو مميز؟
يعتبر 3I/أطلس ثالث جسم نجمي مؤكد يمر عبر نظامنا الشمسي. يختلف هذا المذنب عن المذنبات المحلية مثل مذنب هالي الذي ينحدر من سحابة أورت، وهي منطقة جليدية تقع في أطراف نظامنا الشمسي. بينما تنشأ المذنبات البينجمية، مثل 3I/أطلس، في أنظمة نجمية أخرى داخل مجرتنا درب التبانة.
يُقدر حجم هذا المذنب بين النجوم بين 440 مترًا و 5.6 كيلومترًا، وسيمر على مسافة 269 مليون كيلومتر من الأرض. وعلى الرغم من هذه المسافة الشاسعة نسبيًا، إلا أنها تعتبر الأقرب التي سيصل إليها هذا المذنب خلال رحلته عبر نظامنا الشمسي.
اكتشاف ورحلة المذنب 3I/أطلس
اكتشف تلسكوب في هاواي أول زائر بين النجوم مؤكد في عام 2017، وبعد ذلك بعامين، تم رصد مذنب بين النجوم آخر بواسطة عالم فلك هاوٍ من القرم. أما مذنب أطلس فقد تم اكتشافه في يوليو الماضي بواسطة تلسكوب أطلس لمسح السماء التابع لناسا في تشيلي، والذي تم تصميمه خصيصًا للبحث عن الكويكبات والأجسام القريبة من الأرض التي قد تشكل خطرًا على كوكبنا.
ومن المثير للاهتمام أن هذا المذنب سيقترب بشكل كبير من كوكب المشتري في شهر مارس، حيث سيمر على مسافة 53 مليون كيلومتر فقط منه. هذا الاقتراب من المشتري سيؤثر على مسار المذنب بشكل كبير، وسيؤدي إلى تسريعه في النهاية نحو الفضاء بين النجوم، ولن يعود أبدًا إلى نظامنا الشمسي. يقدر العلماء أن المذنب سيمر في منتصف ثلاثينيات هذا القرن قبل أن يغادر للأبد.
معلومات حول المذنبات البينجمية وأهميتها
تعتبر المذنبات البينجمية نوافذ نادرة على تكوين النجوم والكواكب حول النجوم الأخرى. فهي تحمل في تركيبها معلومات عن البيئة الكيميائية والفيزيائية للنظام النجمي الذي نشأت فيه. بدراسة هذه المذنبات، يمكن للعلماء الحصول على رؤى جديدة حول العمليات التي أدت إلى تكوين نظامنا الشمسي، ولفهم أفضل لكيفية تطور الكواكب وربما ظهور الحياة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة هذه الأجسام قد تساعد في اختبار النظريات حول كيفية انتقال المواد بين الأنظمة النجمية المختلفة، وهو ما يسمى “البذر النجمي”. هذه العملية قد تلعب دورًا في انتشار المكونات الأساسية للحياة في جميع أنحاء المجرة.
ما الذي يمكن أن يتعلمه العلماء من هذا المذنب بالتحديد؟
يعتقد العلماء أن المذنب 3I/أطلس قد نشأ في نظام نجمي أقدم بكثير من نظامنا الشمسي. وهذا يجعله هدفًا استثنائيًا لدراسة التغيرات التي تحدث في الأنظمة النجمية بمرور الوقت. فمن خلال تحليل تركيبه وغلافه الغازي، يمكن للباحثين استنتاج معلومات حول الظروف التي سادت في النظام النجمي الأم، وفهم كيف تطورت تلك الظروف على مدى مليارات السنين.
ناسا تقوم حاليًا بتوجيه تلسكوباتها الفضائية نحو هذا الجرم السماوي لالتقاط أكبر قدر ممكن من البيانات قبل أن يصبح خافتًا جدًا ويصعب رصده. هذه البيانات ستساعد العلماء على تحديد تركيبه الدقيق، وفهم كيفية تفاعله مع الضوء والرياح الشمسية، وتقدير عمره وتاريخه.
مستقبل الزيارات البينجمية
يمثل اكتشاف 3I/أطلس بداية عصر جديد في استكشاف الفضاء. فمع تطور التكنولوجيا وزيادة القدرة على رصد الأجسام البعيدة، من المتوقع أن يتم اكتشاف المزيد من المذنبات والكويكبات القادمة من خارج نظامنا الشمسي. هذه الاكتشافات ستوفر فرصًا لا تقدر بثمن للعلماء لدراسة التنوع الهائل في الكون، وللإجابة على أسئلة أساسية حول أصول الحياة ومصير الكواكب.
وبينما نراقب المذنب 3I/أطلس وهو يودعنا، يجب أن نتذكر أننا نشهد جزءًا من قصة كونية أكبر بكثير، قصة مليئة بالغموض والاكتشافات المذهلة. استمرار البحث والاستثمار في تكنولوجيا الفضاء هو السبيل الأمثل لفهم هذا الكون الشاسع ومكاننا فيه.
(يُرجى ملاحظة: قسم الصحة والعلوم في وكالة أسوشيتد برس يتلقى الدعم من معهد هوارد هيوز الطبي ومؤسسة روبرت وود جونسون، ولكن وكالة أسوشيتد برس هي المسؤولة الوحيدة عن جميع المحتويات.)
