تشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى القضاء على ما يصل إلى 50٪ من الوظائف المكتبية للمبتدئين خلال السنوات الخمس المقبلة. يأتي هذا التحذير القوي من داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة Anthropic الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، في شهر مايو الماضي، ورغم الانتقادات التي وجهت له من بعض المختصين في وادي السيليكون، لم يتراجع أمودي عن هذا التصريح. هذا التطور يثير قلقاً متزايداً حول مستقبل العمل وتأثير التكنولوجيا على القوى العاملة.
أكد أمودي في تصريحات أدلى بها خلال فعالية في سبتمبر الماضي أن سرعة تطور الذكاء الاصطناعي وتبنيه من قبل المجتمع يجعل من الصعب التنبؤ بالإطار الزمني الدقيق لحدوث هذه التحولات في سوق العمل. وأشار إلى أن هذه النسبة قد تتغير، لكنه يرى أن التحذير ضروري لمواجهة التحديات المحتملة. هذه التصريحات تعكس نقاشاً أوسع حول أتمتة الوظائف وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف: نظرة متفائلة ومحذرة
يتعلق القلق الأساسي، وفقاً لأمودي، بفكرة أن البعض يعتقد أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك القدرات اللازمة لإحداث هذا النوع من التحولات الجذرية. ومع ذلك، يرى أن التركيز يجب أن يكون على التطورات المستقبلية للتكنولوجيا، وليس على قدراتها الحالية. هذا التحذير يأتي في وقت تشهد فيه العديد من الصناعات بالفعل تبنياً متزايداً لحلول التعلم الآلي لأتمتة المهام الروتينية.
من الجدير بالذكر أن هذا التقييم يركز بشكل خاص على الوظائف “ذات الياقة البيضاء” على مستوى المبتدئين، والتي غالباً ما تتضمن مهاماً قابلة للتكرار والتحليل. تشمل هذه الوظائف، على سبيل المثال، إدخال البيانات، وخدمة العملاء الأساسية، وبعض مهام التحليل المالي الأولية.
القطاعات الأكثر عرضة للخطر
تتوقع العديد من الدراسات أن بعض القطاعات ستكون أكثر عرضة لتأثير الذكاء الاصطناعي من غيرها. قطاع الخدمات المالية، على سبيل المثال، قد يشهد أتمتة كبيرة في مجالات مثل معالجة القروض والتداول. وبالمثل، فإن قطاعي الإعلام والنشر قد يشهدان تحولات في الأدوار المتعلقة بإنشاء المحتوى والتحقق من الحقائق. التحول الرقمي يمثل عاملاً رئيسياً في تسريع وتيرة هذه التغييرات.
ومع ذلك، يرى خبراء آخرون أن الذكاء الاصطناعي سيخلق أيضاً وظائف جديدة، خاصة في المجالات المتعلقة بتطوير الذكاء الاصطناعي نفسه، وتحليل البيانات، وإدارة الأنظمة الآلية. ويتوقعون أن التركيز سينتقل نحو المهارات التي لا يمكن للآلات تكرارها بسهولة، مثل التفكير النقدي، والإبداع، والذكاء العاطفي.
ردود الفعل والتحديات
لقد أثارت تصريحات أمودي نقاشاً واسعاً في وادي السيليكون وخارجه. بعضهم وافق على تقييمه، مشيراً إلى التقدم السريع في قدرات الذكاء الاصطناعي. في المقابل، قلل آخرون من شأن هذه المخاطر، مؤكدين أن الذكاء الاصطناعي سيظل أداة مساعدة للبشر، وليس بديلاً عنهم.
أحد التحديات الرئيسية التي تواجه سوق العمل هو الحاجة إلى إعادة تدريب وتأهيل العمال الذين قد يفقدون وظائفهم بسبب الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك استثمارات كبيرة في التعليم والتدريب المهني، بالإضافة إلى برامج دعم للعاطلين عن العمل. مستقبل المهارات يتطلب مواكبة التطورات التقنية.
في الختام، يبقى تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف موضوعاً معقداً ومليئاً بالغموض. من المتوقع أن يتم إجراء المزيد من الدراسات والتحليلات لتقييم حجم ونطاق هذه التحولات بشكل أدق. من الضروري متابعة تطورات التكنولوجيا، والاستعداد للتحديات والفرص التي ستنشأ، والعمل على ضمان انتقال عادل ومنصف للقوى العاملة نحو مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي. يشير الخبراء إلى أن السنوات الثلاث المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مدى سرعة وشكل هذه التغييرات.
