وزارة الصحة الأمريكية تعلن استراتيجية طموحة للذكاء الاصطناعي مع مخاوف بشأن الخصوصية
أعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية (HHS) مؤخرًا عن استراتيجية شاملة لتوسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب عملها، بدءًا من تحسين الكفاءة الإدارية وصولًا إلى تطوير الأدوية وتحليل بيانات المرضى. تأتي هذه الخطوة في أعقاب فترة شهدت تقبلاً كبيراً للتكنولوجيا من قبل إدارة ترامب، مع إثارة تساؤلات حيوية حول حماية المعلومات الصحية الحساسة للمواطنين. تهدف الاستراتيجية الجديدة إلى الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي مع معالجة المخاطر المحتملة، في ظل تطورات سريعة تشهدها هذه التكنولوجيا.
خطة HHS للذكاء الاصطناعي: نحو تحول في الرعاية الصحية
تصف وزارة الصحة والخدمات الإنسانية هذه الخطة بأنها “خطوة أولى” ضرورية، تركز بشكل أساسي على تبسيط العمليات الداخلية وتعزيز التنسيق في استخدام الذكاء الاصطناعي عبر مختلف أقسام الوزارة. ومع ذلك، تتضمن الوثيقة التي تتألف من 20 صفحة أيضًا خططًا أكثر طموحًا للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجالات رئيسية مثل تحليل البيانات الصحية للمرضى، وتسريع عملية اكتشاف وتطوير الأدوية الجديدة.
نائب وزير الصحة والخدمات الإنسانية، جيم أونيل، صرح في مقدمة الاستراتيجية: “لقد عانت وزارتنا لفترة طويلة من البيروقراطية والعمل المتكرر. حان الوقت لتجاوز هذه العقبات وتسخير قوة التكنولوجيا لتحسين صحة الأمريكيين.” هذه التصريحات تعكس رغبة الإدارة في تحديث وتطوير نظام الرعاية الصحية من خلال تبني الابتكارات التكنولوجية.
إرث ترامب وبايدن في تبني الذكاء الاصطناعي
تُظهر هذه الاستراتيجية استمرارًا لنهج إدارة ترامب في احتضان الذكاء الاصطناعي والتشجيع على استخدامه في القطاع الحكومي. ففي حين أن إدارة بايدن أصدرت أوامر تنفيذية لإنشاء ضوابط تنظيمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن إدارة ترامب كانت قد ألغت هذه الأوامر، وسعت إلى إزالة الحواجز التي تعيق تطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف المؤسسات الحكومية.
وقد شجعت الإدارة السابقة الموظفين الفيدراليين على استخدام أدوات مثل روبوتات الدردشة والمساعدين المدعومين بالذكاء الاصطناعي في مهامهم اليومية. الآن، مع التقدم الهائل في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، يبرز السؤال حول كيفية تحقيق التوازن بين الابتكار وحماية البيانات.
المخاوف المتزايدة حول خصوصية البيانات الصحية
على الرغم من الإمكانات الواعدة للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، إلا أن الخبراء يشددون على أن هذه التكنولوجيا تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، خاصة فيما يتعلق بخصوصية البيانات. فالبيانات الصحية تعتبر من بين المعلومات الأكثر حساسية، ويتطلب التعامل معها معايير أمنية صارمة.
يثير البعض تساؤلات حول قدرة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية على ضمان حماية هذه البيانات، خاصة في ظل قيادة وزير الصحة الحالي، روبرت كينيدي جونيور، الذي يشتهر بمواقفه المتشككة تجاه المؤسسات العلمية والرقابية. كما أعربت حركة “اجعل أمريكا صحية مرة أخرى” التي يدعمها كينيدي عن قلقها بشأن إمكانية وصول شركات التكنولوجيا إلى المعلومات الشخصية للمرضى.
ركائز استراتيجية الذكاء الاصطناعي في HHS
تعتمد استراتيجية وزارة الصحة والخدمات الإنسانية على خمس ركائز أساسية:
- إنشاء هيكل حوكمة: يهدف إلى إدارة المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
- تطوير مجموعة من الموارد: توفير أدوات الذكاء الاصطناعي اللازمة للاستخدام في جميع أنحاء الوزارة.
- تمكين الموظفين: تدريب الموظفين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بكفاءة.
- برامج التمويل: تخصيص التمويل اللازم لوضع معايير لاستخدام الذكاء الاصطناعي في البحث والتطوير.
- دمج الذكاء الاصطناعي في الصحة العامة ورعاية المرضى: تطبيق الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الرعاية الصحية وتوفير خدمات صحية أكثر فعالية.
وتشير الوثيقة إلى أن الأقسام التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية تعمل بالفعل على استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم “إرشادات صحية شخصية واعية بالسياق” للمرضى من خلال الوصول الآمن إلى سجلاتهم الطبية وتحليلها في الوقت الفعلي.
التحديات المستقبلية: تحقيق التوازن بين الابتكار والخصوصية
يشير الخبراء إلى أن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على قدرة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية على معالجة المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات بشكل فعال. يقول أورين إيتزيوني، خبير في الذكاء الاصطناعي، إن حماس الوزارة لاستخدام هذه التكنولوجيا في الرعاية الصحية أمر يستحق التقدير، لكنه يحذر من أن السرعة لا يجب أن تأتي على حساب السلامة.
ويضيف إيتزيوني: “تضع استراتيجية وزارة الصحة والخدمات الإنسانية أهدافًا طموحة، ولكن الطموح يجلب المخاطر عند التعامل مع البيانات الأكثر حساسية التي يمتلكها الأمريكيون: معلوماتهم الصحية.”
من جانبه، يرى داريل ويست، زميل بارز في مركز الابتكار التكنولوجي، أن الوثيقة تعد بتعزيز إدارة المخاطر، لكنها تفتقر إلى التفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك. ويطرح سؤالاً هاماً: “كيف سيتم تحقيق التوازن بين استخدام المعلومات الطبية لتحسين العمليات مع حماية الخصوصية التي تحمي المعلومات الشخصية للأشخاص؟”
ومع ذلك، يختتم ويست بالإشارة إلى أنه إذا تم تنفيذ هذه الاستراتيجية بعناية، “فإنها يمكن أن تصبح نموذجًا تحويليًا لوكالة حكومية حديثة تعمل على مستوى أعلى بكثير من ذي قبل.”
وكشفت الاستراتيجية أن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية لديها حاليًا 271 تطبيقًا نشطًا أو مخططًا للذكاء الاصطناعي، وتتوقع زيادة هذا العدد بنسبة 70٪ في عام 2025. هذا النمو المتسارع يؤكد على أهمية معالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن بشكل استباقي لضمان الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي في خدمة الصحة العامة.
الكلمات المفتاحية الثانوية: الرعاية الصحية الرقمية، أمن البيانات الصحية، التحول الرقمي في القطاع الصحي.
