بينما يتبنى العالم بوتيرة متسارعة قوة الذكاء الاصطناعي، لا تغفل الجماعات المسلحة عن استكشاف إمكاناته، حتى وإن لم تتضح بعد كيفية استغلاله على النحو الأمثل. هذا التطور يثير قلقًا متزايدًا لدى خبراء الأمن القومي ووكالات الاستخبارات، الذين يحذرون من أن هذه الجماعات قد تستخدم الذكاء الاصطناعي في تجنيد أعضاء جدد، وإنتاج صور ومقاطع فيديو مزيفة مقنعة، وتعزيز قدراتها في الهجمات الإلكترونية.
تطور استخدام الجماعات المتطرفة للذكاء الاصطناعي
في الشهر الماضي، دعا أحد المستخدمين على منتدى تابع لتنظيم الدولة الإسلامية أنصاره إلى دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتهم، واصفًا إياه بسهولة الاستخدام. هذا الحث يعكس وعيًا متزايدًا بإمكانات هذه التكنولوجيا، خاصةً وأن وكالات الاستخبارات تعبر عن مخاوفها من أن الذكاء الاصطناعي قد يساهم في زيادة عمليات التجنيد. تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا، تحول الآن إلى شبكة لامركزية من الجماعات المسلحة. ويقول خبراء الأمن القومي إن هذه الشبكة أدركت مبكرًا قوة وسائل التواصل الاجتماعي في التجنيد ونشر التضليل، وبالتالي فإن استكشاف الذكاء الاصطناعي ليس مفاجئًا.
سهولة الوصول وتوسيع النفوذ
بالنسبة للجماعات المتطرفة الصغيرة والمحدودة الموارد، أو حتى الأفراد المتطرفين الذين لديهم اتصال بالإنترنت، يمثل الذكاء الاصطناعي أداة قوية لإنتاج ونشر الدعاية والتزييف العميق على نطاق واسع، مما يسمح لهم بتوسيع نفوذهم وتأثيرهم. جون لاليبرتي، خبير الأمن السيبراني السابق في وكالة الأمن القومي، يؤكد أن الذكاء الاصطناعي يسهل بشكل كبير على أي خصم تنفيذ أنشطته. حتى الجماعات الصغيرة التي تفتقر إلى التمويل الكافي يمكنها الآن إحداث تأثير كبير بفضل هذه التكنولوجيا.
كيف تستخدم الجماعات المتطرفة الذكاء الاصطناعي؟
بدأت الجماعات المسلحة في تجربة الذكاء الاصطناعي بمجرد توفر برامج مثل ChatGPT على نطاق واسع. ومنذ ذلك الحين، زاد استخدامها للبرامج القادرة على توليد صور وفيديو واقعية بشكل متزايد. وعندما يتم دمج هذا المحتوى المزيف مع خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يمكن أن يلعب دورًا فعالًا في تجنيد مؤيدين جدد، وإرباك أو ترويع الخصوم، ونشر الدعاية على نطاق لم يكن ممكنًا قبل بضع سنوات.
أمثلة على الاستخدامات الضارة
على سبيل المثال، نشرت بعض هذه الجماعات صورًا مزيفة عن الحرب بين إسرائيل وحماس، تصور أطفالًا مصابين ومهجورين في المباني المدمرة. أثارت هذه الصور غضبًا واستقطابًا كبيرين، بينما أخفت في الوقت ذاته الفظائع الحقيقية للحرب. كما استخدمت الجماعات العنيفة في الشرق الأوسط هذه الصور لتجنيد أعضاء جدد، في حين فعلت جماعات الكراهية المعادية للسامية الشيء نفسه في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.
في العام الماضي، وبعد الهجوم الذي تبنته جماعة تابعة لتنظيم داعش في روسيا وأسفر عن مقتل ما يقرب من 140 شخصًا، تم تداول مقاطع فيديو دعائية تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع عبر الإنترنت، بهدف جذب مجندين جدد. بالإضافة إلى ذلك، قام تنظيم داعش بإنشاء تسجيلات صوتية مزيفة لقادته وهم يتلون آيات دينية، واستخدم الذكاء الاصطناعي لترجمة الرسائل بسرعة إلى لغات متعددة، وفقًا للباحثين في SITE Intelligence Group، وهي شركة متخصصة في تتبع الأنشطة المتطرفة.
التهديدات المستقبلية والتحركات المضادة
على الرغم من أن هذه الجماعات لا تزال متخلفة عن الدول الكبرى مثل الصين وروسيا وإيران في مجال تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم، إلا أن الخبراء يعتبرون المخاطر كبيرة ولا يمكن تجاهلها. من المرجح أن تتزايد هذه المخاطر مع انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي القوي والرخيص.
الهجمات الإلكترونية والأسلحة البيولوجية
المتسللون يستخدمون بالفعل الصوت والفيديو الاصطناعي في حملات التصيد الاحتيالي، حيث يحاولون انتحال شخصيات كبار المسؤولين أو القادة الحكوميين للوصول إلى الشبكات الحساسة. كما يمكنهم استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة برامج ضارة أو أتمتة بعض جوانب الهجمات الإلكترونية. والأكثر إثارة للقلق هو احتمال أن تحاول الجماعات المسلحة استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في إنتاج أسلحة بيولوجية أو كيميائية، لتعويض النقص في الخبرة الفنية. وقد تم تضمين هذا الخطر في تقييم التهديدات الداخلية الذي نشرته وزارة الأمن الداخلي في وقت سابق من هذا العام.
الاستجابة التشريعية والتوعوية
أدرك المشرعون في الولايات المتحدة الحاجة الملحة للتحرك لمواجهة هذا التهديد المتزايد. السيناتور مارك وارنر، أكبر عضو ديمقراطي في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، صرح بأن الولايات المتحدة يجب أن تسهل على مطوري الذكاء الاصطناعي تبادل المعلومات حول كيفية استخدام منتجاتهم من قبل الجهات الخبيثة، سواء كانت متطرفة أو إجرامية أو أجنبية. وأضاف أن الانبهار والتجريب بالذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يشهده الجمهور سيشمل أيضًا مجموعة من الجهات الخبيثة.
تعزيز الرقابة والتقييم الدوري
خلال جلسة استماع حديثة حول التهديدات المتطرفة، علم المشرعون في مجلس النواب أن تنظيمي داعش والقاعدة عقدا ورش عمل تدريبية لمساعدة أنصارهما على تعلم استخدام الذكاء الاصطناعي. ونتيجة لذلك، أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعًا يتطلب من مسؤولي الأمن الداخلي تقييم المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي بشكل دوري، مرة واحدة على الأقل في السنة.
النائب أوغست بفلوغر، راعي مشروع القانون، أكد أن الحماية من الاستخدام الضار للذكاء الاصطناعي لا تختلف عن الاستعداد لمواجهة المزيد من الهجمات التقليدية. وأضاف: “يجب أن تتكيف سياساتنا وقدراتنا مع تهديدات الغد.”
باختصار، يمثل الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذا حدين. ففي حين أنه يحمل إمكانات هائلة للتقدم والتنمية، فإنه يمثل أيضًا تهديدًا متزايدًا للأمن القومي، خاصةً مع استغلال الجماعات المتطرفة لإمكاناته. يتطلب التصدي لهذا التهديد جهودًا متضافرة من المشرعين ووكالات الاستخبارات ومطوري الذكاء الاصطناعي لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بشكل مسؤول وآمن.
