شهد عام 2024 صعودًا ملحوظًا لمفهوم “البرمجة بالإيحاء” (vibe coding)، وهو أسلوب جديد في كتابة التعليمات البرمجية يعتمد بشكل كبير على نماذج اللغة الكبيرة (LLMs). أندري كارباثي، الرائد السابق في مجال الذكاء الاصطناعي في شركة تسلا والمؤسس المشارك في OpenAI، هو من صاغ هذا المصطلح في وقت سابق من هذا العام، وعاد مؤخرًا لتقديم رؤيته حول تطور هذا الاتجاه وتأثيره المحتمل على مستقبل البرمجة. تثير هذه التقنية نقاشات حول مستقبل وظائف المطورين وكيفية بناء التطبيقات.

كارباثي، الذي قاد جهود الذكاء الاصطناعي في تسلا لمدة خمس سنوات وعمل على الروبوت البشري “أوبتيموس”، شارك أفكاره حول نماذج اللغة الكبيرة في منشور على منصة X (تويتر سابقًا) في نهاية عام 2024. أشار إلى أن “البرمجة بالإيحاء” تفتح الباب أمام الأفراد غير المتخصصين للمشاركة في تطوير البرمجيات، مما يمثل تحولًا كبيرًا في الصناعة. كما سلط الضوء على أن هذه التقنية قد تغير بشكل جذري طبيعة الوظائف المتعلقة بالبرمجة.

ما هي البرمجة بالإيحاء (Vibe Coding)؟

البرمجة بالإيحاء، كما يصفها كارباثي، هي أسلوب يعتمد على “الاستسلام الكامل للإيحاءات”، واستخدام نماذج اللغة الكبيرة مثل Cursor Composer مع Sonnet، لإنشاء التعليمات البرمجية. الفكرة الأساسية هي السماح للذكاء الاصطناعي بالتعامل مع التفاصيل التقنية المعقدة، بينما يركز المبرمج على تحديد الهدف العام وتوجيه عملية الإنشاء. هذا يختلف عن الطرق التقليدية التي تتطلب معرفة متعمقة بلغات البرمجة وهياكل البيانات.

وفقًا لكارباثي، تتميز التعليمات البرمجية الناتجة عن هذا الأسلوب بأنها “حرة، عابرة، قابلة للتشكيل، وقابلة للتخلص منها بعد الاستخدام لمرة واحدة”. هذا يشير إلى أن البرمجة بالإيحاء قد تكون مناسبة بشكل خاص لإنشاء نماذج أولية سريعة أو حلول مؤقتة، بدلاً من بناء أنظمة برمجية معقدة وطويلة الأمد.

تأثيرها على المطورين والشركات

على الرغم من أن “البرمجة بالإيحاء” قد تبدو وكأنها تهديد للمطورين المحترفين، يرى كارباثي أنها في الواقع “تمكن المحترفين المدربين من كتابة المزيد من البرامج (المبرمجة بالإيحاء) التي لم تكن لتكتب بطريقة أخرى”. بمعنى آخر، يمكن أن تساعد هذه التقنية المطورين على زيادة إنتاجيتهم والتركيز على المهام الأكثر إبداعًا وتحديًا.

تشير التقارير إلى أن الشركات التكنولوجية بدأت بالفعل في تبني أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل Cursor و Claude Code و OpenAI’s Codex لتعزيز إنتاجية مهندسيها. ومع ذلك، أظهرت دراسة حديثة أجرتها METR في يوليو 2024 أن مساعدي البرمجة بالذكاء الاصطناعي قد أدت في الواقع إلى انخفاض إنتاجية مطوري البرامج ذوي الخبرة بنسبة 19٪. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الثقة المفرطة للمطورين في هذه الأدوات، حيث توقعوا زيادة في الإنتاجية لم تتحقق.

ومع ذلك، فإن “البرمجة بالإيحاء” تفتح بالفعل آفاقًا جديدة لإنشاء منتجات تقنية مبتكرة. على سبيل المثال، قام جاك دورسي، مؤسس تويتر، بإنشاء تطبيق مراسلة جديد باستخدام هذا الأسلوب. كما أن الأفراد غير المتخصصين في مجال التكنولوجيا قادرون الآن على بناء وتطوير وحتى بيع التطبيقات في غضون ساعات، إن لم يكن دقائق.

رؤى إضافية من كارباثي

بالإضافة إلى “البرمجة بالإيحاء”، أشاد كارباثي بنموذج Google Gemini Nano Banana لتوليد الصور، واصفًا إياه بأنه تقدم ملحوظ. كما أشار إلى أن Claude Code يمثل “العرض التوضيحي الأول المقنع لكيف يبدو وكيل نماذج اللغة الكبيرة (LLM Agent)”. هذا يشير إلى أن نماذج اللغة الكبيرة أصبحت أكثر قدرة على العمل بشكل مستقل واتخاذ القرارات المعقدة.

بشكل عام، وصف كارباثي عام 2024 بأنه “عام مثير ومدهش بعض الشيء لنماذج اللغة الكبيرة”. يشير هذا إلى أن التطورات في هذا المجال تتجاوز التوقعات وتخلق فرصًا جديدة وغير متوقعة.

الخطوة التالية ستكون مراقبة كيفية تطور هذه التقنيات في عام 2025 وما بعده. من المتوقع أن تستمر نماذج اللغة الكبيرة في التحسن، وأن تصبح “البرمجة بالإيحاء” أكثر شيوعًا وسهولة في الاستخدام. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن التأثير طويل المدى لهذه التقنيات على صناعة البرمجيات وسوق العمل. من المهم أيضًا مراقبة كيفية معالجة الشركات والمطورين للتحديات المتعلقة بالإنتاجية والثقة التي أظهرتها الدراسات الحديثة.

شاركها.