في خطوة تاريخية تعكس التحولات العميقة التي يشهدها عالمنا، اختارت مجلة تايم “مهندسي الذكاء الاصطناعي” كشخصية العام لعام 2025. هذا الاختيار ليس مجرد تكريم للأفراد الذين يقفون وراء هذه التكنولوجيا الثورية، بل هو اعتراف بأننا على أعتاب عصر جديد، عصر الآلات المفكرة، وأن عام 2025 قد يكون نقطة اللاعودة في مسيرة الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي شخصية العام: تحول جذري في المشهد التكنولوجي

لم تكتفِ مجلة تايم بتكريم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي نفسها، بل ذهبت أبعد من ذلك باختيار “الأفراد الذين تصوروا وصمموا وبنوا الذكاء الاصطناعي”. هذا القرار المتعمد يعكس فهمًا عميقًا بأن التقدم التكنولوجي هو نتاج جهود بشرية، وأن وراء كل خوارزمية معقدة، هناك عقول مبدعة تعمل بلا كلل. كما أن هذا الاختيار يتماشى مع سابقة تاريخية للمجلة، حيث سبق لها تكريم مفاهيم مثل “الأرض المهددة بالانقراض” و “الكمبيوتر الشخصي” كشخصيات للعام.

وقد علّق رئيس التحرير سام جاكوبس على هذا الاختيار قائلاً: “لقد كان هذا هو العام الذي ظهرت فيه الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي، وعندما أصبح من الواضح أنه لن يكون هناك عودة إلى الوراء أو اختيار الانسحاب”. هذا التصريح يؤكد على أننا نشهد تحولًا جذريًا في المشهد التكنولوجي، وأن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد مفهوم نظري، بل أصبح واقعًا ملموسًا يؤثر في جميع جوانب حياتنا.

الوجوه التي صنعت المستقبل: قادة الذكاء الاصطناعي المكرمون

تصدر غلاف مجلة تايم لهذا العام صورة تجمع ثمانية من أبرز قادة التكنولوجيا في مجال الذكاء الاصطناعي. هؤلاء القادة هم: مارك زوكربيرج (Meta)، ليزا سو (AMD)، إيلون ماسك (Tesla)، جينسن هوانج (Nvidia)، سام ألتمان (OpenAI)، ديميس هاسابيس (DeepMind – Google)، داريو أمودي (Anthropic)، ورائدة الذكاء الاصطناعي فيي-فيي لي. هذه المجموعة المتنوعة من العقول المبتكرة تمثل القوة الدافعة وراء التطورات الهائلة التي نشهدها في مجال الذكاء الاصطناعي.

وتجدر الإشارة إلى أن خمسة من هؤلاء القادة الثمانية هم مليارديرات، بثروة جماعية تقدر بـ 870 مليار دولار، وهو ما يعكس حجم الاستثمارات الهائلة والفرص التجارية الضخمة التي يوفرها قطاع الذكاء الاصطناعي. هذه الثروة المتراكمة خلال السنوات الثلاث الماضية تؤكد على أننا في خضم “حمى الذكاء الاصطناعي”، وأن هذا القطاع يشهد نموًا غير مسبوق.

من التبني المبكر إلى الحياة اليومية: نقطة التحول في عام 2025

يرى المحللون أن اختيار مجلة تايم لعام 2025 هو اعتراف بأن هذا العام يمثل نقطة تحول حاسمة في مسيرة الذكاء الاصطناعي. فقد انتقل الذكاء الاصطناعي من مجرد “تقنية جديدة يكتشفها المتبنون الأوائل” إلى “تقنية يراها عدد كبير من المستهلكين كجزء من حياتهم السائدة”. وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على الشركات التكنولوجية الكبرى والمختبرات البحثية، بل أصبح متاحًا للجميع، ويستخدم في تطبيقات متنوعة، من المساعدين الصوتيين إلى السيارات ذاتية القيادة.

وقد عززت مجلة تايم هذا التصور بالإشارة إلى حضور قادة شركات الذكاء الاصطناعي حفل تنصيب الرئيس دونالد ترامب، واعتبرته إعلانًا عن بروز هذا القطاع. هذا الحضور اللافت للانتباه يوضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح قوة مؤثرة في السياسة والاقتصاد، وأن صانعي القرار يدركون أهميته المتزايدة.

المخاوف والتحديات: نحو تطوير مسؤول للذكاء الاصطناعي

على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك مخاوف وتحديات يجب معالجتها. حيث أعرب بعض الخبراء عن حذرهم بشأن ازدهار الذكاء الاصطناعي والسباق لتطوير أنظمة قوية بشكل متزايد. ويحذرون من أن الشركات الرائدة في هذا المجال تعمل بشكل محموم لاستبدال البشر في جميع جوانب الحياة، دون الاهتمام بالعواقب الاجتماعية والاقتصادية المحتملة.

ويشدد أنتوني أغيري، المدير التنفيذي لمعهد مستقبل الحياة، على ضرورة وجود “حواجز تحمي ما هو بشري، وهو الأهم بالنسبة لنا”. وهذا يعني أننا بحاجة إلى تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، مع مراعاة القيم الإنسانية والأخلاقية، وضمان أن هذه التكنولوجيا تستخدم لخدمة البشرية، وليس العكس. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نركز على تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يعزز القدرات البشرية، بدلاً من استبدالها.

الذكاء الاصطناعي والمنافسة على لقب شخصية العام

لم يكن اختيار “مهندسي الذكاء الاصطناعي” أمرًا مفروغًا منه، حيث كان هناك العديد من المرشحين الآخرين بقوة. فقد تصدرت أسواق التنبؤات الذكاء الاصطناعي كمرشح رئيسي، إلى جانب جينسن هوانج وسام ألتمان. كما كان البابا ليو الرابع عشر، والرئيس دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني من بين المرشحين البارزين. ولكن في النهاية، قررت مجلة تايم أن تكرم القوة الدافعة وراء هذا التحول التكنولوجي الهائل، وهي “مهندسو الذكاء الاصطناعي”.

في الختام، يمثل اختيار مجلة تايم لـ “مهندسي الذكاء الاصطناعي” كشخصية العام لعام 2025 علامة فارقة في تاريخ التكنولوجيا. إنه اعتراف بأهمية الذكاء الاصطناعي المتزايدة، وتحذير من المخاطر المحتملة، ودعوة إلى تطوير هذه التكنولوجيا بشكل مسؤول وأخلاقي. إن مستقبلنا يعتمد على كيفية تعاملنا مع هذه القوة الثورية، وكيفية تسخيرها لخدمة البشرية جمعاء.

شاركها.