تواجه شركات المحاماة تحديًا متزايدًا مع الاعتماد المتزايد على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية، حيث تزايدت حالات اكتشاف أخطاء واختلاقات في المذكرات القانونية. شركة Cozen O’Connor، وهي شركة محاماة كبرى، اتخذت إجراءات إضافية لمواجهة مشكلة “الهلوسة” في الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال اعتماد كاشف للأخطاء يعتمد على الذكاء الاصطناعي، بعد أن عوقب محاميان منها بسبب الاستشهاد بقضايا وهمية. هذه الخطوة تعكس قلقًا واسع النطاق في القطاع القانوني بشأن دقة وموثوقية المعلومات التي تقدمها هذه الأدوات.
أضافت Cozen O’Connor برنامجًا جديدًا، طورته شركة Clearbrief الناشئة، لفحص المذكرات القانونية بحثًا عن الحقائق المختلقة وإنشاء تقرير مفصل. يعمل البرنامج بشكل مشابه لمدقق إملائي، لكنه يركز على اكتشاف القضايا والاستشهادات الخيالية التي قد تخترعها أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية. تأتي هذه الخطوة بعد حادثة أثارت جدلاً واسعًا، حيث قدم محاميان من Cozen O’Connor مذكرة قانونية تحتوي على قضايا وهمية، وذلك بعد استخدام أحدهما برنامج ChatGPT في صياغتها، وهو ما يخالف سياسة الشركة.
مواجهة “الهلوسة” في الذكاء الاصطناعي: تحدٍ قانوني متزايد
وفقًا لقرار صادر عن محكمة في ولاية نيفادا، كان أمام Cozen O’Connor خياران: إما سحب المحاميين من القضية ودفع غرامة قدرها 2500 دولار لكل منهما، أو مطالبة المحاميين بكتابة اعتذار إلى عمداء كليات الحقوق التي تخرجا منها وإلى سلطات نقابة المحامين، مع عرض تقديم عروض توضيحية حول “السلوك المهني”. اختار المحاميان الخيار الثاني، بينما قامت Cozen O’Connor بفصل المحامي الذي استخدم ChatGPT.
تشير الإحصائيات إلى أن هذه المشكلة ليست محصورة على شركة Cozen O’Connor. قام المحلل القانوني داميان شارلوتين بتتبع القضايا التي اكتشفت فيها المحاكم محتوى “مهلوسًا” في المذكرات القانونية، ووجد أن العدد ارتفع من 120 حالة بين أبريل 2023 ومايو 2024 إلى 660 حالة بحلول ديسمبر من العام نفسه، مع تسارع وتيرة اكتشاف الحالات الجديدة لتصل إلى أربع أو خمس حالات يوميًا.
على الرغم من أن عدد القضايا الموثقة لا يزال صغيرًا نسبيًا مقارنة بإجمالي عدد المذكرات القانونية المقدمة، إلا أن شارلوتين لاحظ أن معظم الحالات التي رصدها تتعلق بمتقاضين يمثلون أنفسهم أو بمحامين من شركات صغيرة أو فردية. في الحالات التي تشمل شركات محاماة كبيرة، غالبًا ما تكون الأخطاء نتيجة عمل الموظفين المبتدئين أو مساعدي المحامين أو الخبراء أو الاستشاريين، أو بسبب أخطاء في تنسيق الاستشهادات.
لا تقتصر مشكلة “الهلوسة” على المجال القانوني. في أكتوبر الماضي، وافقت شركة Deloitte الاستشارية على إعادة جزء من مبلغ 290 ألف دولار أمريكي إلى الحكومة الأسترالية بعد اكتشاف أخطاء يُزعم أنها ناتجة عن الذكاء الاصطناعي في تقرير قدمته.
الخروج من “الحديقة المسورة”
تكمن صعوبة القضاء على “الهلوسة” في طبيعة عمل نماذج اللغة الكبيرة. هذه النماذج مدربة على التنبؤ بالكلمة الأكثر احتمالاً بناءً على الكلمات التي سبقتها. مايكل داهن، نائب رئيس أول في Thomson Reuters، المسؤول عن تطوير أدوات البحث القانوني Westlaw، يرى أن مطوري هذه النماذج لا يستطيعون الوصول إلى مستوى صفر من “الهلوسة” عند الإجابة على أسئلة مفتوحة حول العالم. ومع ذلك، يمكنهم تقليل المخاطر بشكل كبير من خلال إجبار النموذج على الاستشهاد بمصادر محددة من البيانات، مثل مجموعة من القضايا والسوابق القانونية.
تقدم كل من Thomson Reuters و LexisNexis حلاً للعملاء: استخدام مساعد افتراضي يعتمد على الذكاء الاصطناعي ولكنه محصور في قواعد بياناتهما الموثوقة، وهو ما يعتبر أكثر أمانًا من استخدام روبوت محادثة مدرب على الإنترنت المفتوح. لقد استثمرت الشركتان عقودًا ومبالغ طائلة في بناء قواعد بيانات شاملة للقانون، وتقومان الآن بإضافة أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمساعدة المحامين في البحث والاستشهاد.
وسعت LexisNexis نطاق حمايتها ليشمل Harvey، وهي شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا القانونية بلغت قيمتها 8 مليارات دولار. وقعت Harvey شراكة مع LexisNexis هذا العام لتزويد أدواتها التوليدية بإمكانية الوصول إلى واحدة من أكبر قواعد البيانات القانونية في العالم. تستخدم Harvey أيضًا مزودي نماذج الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI و Anthropic لتقييد مجموعات البيانات التي يُسمح لهم بالاعتماد عليها، بالإضافة إلى استخدام مجموعات البيانات الخاصة بها.
مدقق الحقائق بالذكاء الاصطناعي
Clearbrief تقدم أداة صياغة للمحامين تعمل كمكوّن إضافي لبرنامج Microsoft Word. تقول جاكلين شافر، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة Clearbrief، إن منتجها يكتشف الاستشهادات باستخدام معالجة اللغة الطبيعية، وينشئ روابط إلى القضايا والمستندات ذات الصلة. تحدد الأداة الاستشهادات والحقائق المزيفة أو التي تحتوي على أخطاء إملائية، وتشير أيضًا إلى الأماكن التي لا يدعم فيها المصدر الأصلي الادعاءات المقدمة.
كانت Cozen O’Connor من أوائل الشركات التي اختبرت ميزة جديدة من Clearbrief، تم إطلاقها مؤخرًا، والتي تتيح للمستخدمين إنشاء تقرير فحص الاستشهادات قبل تسليم المسودة إلى شريك أو تقديمها إلى المحكمة. تعتمد الشراكات القانونية الكبيرة عادةً على الموظفين المبتدئين للتحقق من الاستشهادات بدلاً من فحص كل قضية بنفسها، ومع ذلك، فإن القواعد الفيدرالية تفرض على الشركاء الذين يوقعون على المذكرات القانونية المسؤولية الشخصية عن دقتها.
تكمن جاذبية Clearbrief لـ Cozen O’Connor في وجود سجل ورقي واضح. تقوم الشركة أيضًا بترقية نظام إدارة المعرفة لديها، وتتخيل أن تقارير فحص الاستشهادات قد يتم تخزينها جنبًا إلى جنب مع المسودات والمذكرات النهائية في المستقبل، مما يخلق سلسلة حراسة لكل مذكرة.
من المرجح أن يظل القطاع القانوني يتعامل مع مشكلة “الهلوسة” لفترة طويلة. الحل غير اللامع يكمن في تدريب المحامين على التعامل مع مخرجات روبوتات الدردشة كنقطة انطلاق وليست كعمل مكتمل. والحل الآخر هو استخدام المزيد من الذكاء الاصطناعي لمواجهة الذكاء الاصطناعي.
ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو تطور هذه الأدوات، ومدى قدرتها على اكتشاف الأخطاء بشكل فعال، وكيف ستتغير ممارسات العمل في شركات المحاماة استجابة لهذه التحديات الجديدة.
