شهد عام 2024 اهتمامًا متزايدًا من كبار المديرين التنفيذيين للتسويق في الشركات العالمية بـ الذكاء الاصطناعي كعنصر أساسي في استراتيجياتهم. ومع ذلك، لم تخلُ هذه الحماسة من بعض المخاطر، حيث أثارت بعض الحملات الإعلانية المولدة بالذكاء الاصطناعي جدلاً واسعًا، بدءًا من الإعلانات التي بدت “غير طبيعية” وصولًا إلى الانتقادات الموجهة لاستبدال النماذج البشرية والمبدعين الإعلانيين بالآلات. وقد أدى هذا الجدل إلى ظهور اتجاه تسويقي جديد: العلامات التجارية التي تنتقد الذكاء الاصطناعي.
أظهر استطلاع للرأي أجري في نوفمبر الماضي على أكثر من 6000 مستهلك أمريكي بواسطة منصة تتبع العلامات التجارية “Tracksuit” أن المشاعر العامة تجاه الإعلانات المولدة بالذكاء الاصطناعي كانت سلبية في الغالب (39٪). وكانت النظرة المحايدة قوية أيضًا بين المشاركين، حيث بلغت 36٪، بينما أعرب 18٪ فقط عن شعورهم الإيجابي تجاه استخدام العلامات التجارية لمحتوى مولد بالذكاء الاصطناعي في إعلاناتها.
الذكاء الاصطناعي في التسويق: بين الإمكانات والمخاطر
قال مات باراش، الرئيس التجاري لمنصة التكنولوجيا الإعلانية “Nova”، في حين أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مفيدة لشراء ووضع الإعلانات، إلا أن العلامات التجارية يجب أن تكون حذرة عند محاولة أتمتة العملية الإبداعية. وأضاف أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في ابتكار القصص من الصفر قد لا يؤدي إلى نتائج مبتكرة، بل إلى تقريب مشاعر بشرية، وهو ما قد يتسبب في إثارة جدل غير مرغوب فيه.
في الواقع، واجهت العديد من العلامات التجارية الكبرى انتقادات بسبب استخدامها للذكاء الاصطناعي في حملاتها الإعلانية هذا العام. وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة على الجدل الذي أثاره الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلان:
ماكدونالدز والإعلان الاحتفالي “المروع”
أطلقت ماكدونالدز في هولندا إعلانًا احتفاليًا مولدًا بالذكاء الاصطناعي في هذا الشهر، وسارعت إلى سحبه بعد أن تبين أن المشاهدين لم يستحسنوه. كان الهدف من الإعلان، الذي يحمل عنوان “أسوأ وقت في السنة”، هو تقديم عرض ساخر للكوارث التي قد تحدث خلال فترة الأعياد. تضمن الإعلان لقطات سريعة لمواقف مثل حوادث الطهي، والإصابات في حلبة التزلج، وتعطل عربة سانتا كلوز في حركة المرور. واقترحت العلامة التجارية أن مطاعمها يمكن أن تكون ملاذًا من هذا الفوضى.
انتقد بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ماكدونالدز واصفين إياه بـ “الغرينش” بسبب النبرة السلبية للإعلان والشخصيات التي اعتبروها “مخيفة”. قامت ماكدونالدز في البداية بتعطيل التعليقات على الفيديو على يوتيوب، ثم أزالته تمامًا من المنصة. وأوضحت ماكدونالدز في هولندا أن الإعلان كان يهدف إلى عكس بعض اللحظات المجهدة التي قد تصاحب الأعياد، لكنها أدركت أن العديد من عملائها يرون أن هذا الموسم هو “أجمل وقت في السنة”.
كوكاكولا والشاحنات الاحتفالية المتحولة
واجهت كوكاكولا بالفعل إعلانًا احتفاليًا مولدًا بالذكاء الاصطناعي أثار انتقادات في العام الماضي، ووصف بأنه “ديستوبي” و “فاقد للروح”. على الرغم من ذلك، أطلقت الشركة هذا العام ثلاثة إعلانات احتفالية مولدة بالذكاء الاصطناعي. أثار أحد هذه الإعلانات، وهو نسخة جديدة من إعلان “الأعياد قادمة” الكلاسيكي، انتباه مجتمع الإبداع بسبب عدم اتساقه. فقد لوحظ أن عدد الشاحنات في الإعلان يتغير بشكل غير منطقي.
دافع بي جي بيريرا، الشريك المؤسس لشركة Silverside AI، وهي الشركة التي أنتجت الإعلان، عن استخدام كوكاكولا للذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن الشركة أصبحت رائدة في هذا المجال من خلال التركيز على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل إبداعي بدلاً من الجدل حول كماله. وأضاف أن الإعلان حقق أداءً جيدًا في اختبارات المستهلكين. وقد حصل الإعلان على أعلى تقييم ممكن (5.9 من 6) من System1، وهي شركة متخصصة في تقييم الإعلانات. كما أظهرت شركة DAIVID، وهي شركة أخرى متخصصة في اختبار الإعلانات، أن الإعلان حقق درجات أعلى من المتوسط في جذب الانتباه واستعادة العلامة التجارية.
ميتا والإعلان عن الجدة المولدة بالذكاء الاصطناعي
أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على محاكاة الصور البشرية بدقة متزايدة. وقد أثار هذا التطور جدلاً حول استخدام النماذج المولدة بالذكاء الاصطناعي في الإعلانات، خاصةً فيما يتعلق بمعايير الجمال والوظائف الإبداعية. واجهت ميتا انتقادات بعد أن قامت منصتها الإعلانية تلقائيًا باستبدال إعلان لعلامة تجارية أزياء ناجحة بصورة لجدة مولدة بالذكاء الاصطناعي.
أفاد العديد من المعلنين أن إعدادات في مجموعة أدوات Advantage+ التي تقدمها ميتا قد أدت إلى إنشاء إعلانات مولدة بالذكاء الاصطناعي تلقائيًا نيابة عنهم. وأكدت ميتا أن المعلنين الذين يستخدمون ميزة إنشاء الصور الكاملة يمكنهم مراجعة الصور قبل تشغيل إعلاناتهم. ومع ذلك، ذكر ثلاثة معلنين أن ميتا قامت تلقائيًا بتفعيل هذه الإعدادات، مما أدى إلى إنفاق ميزانياتهم على إعلانات لم يقصدوا تشغيلها.
إتش آند إم وهجوم الاستنساخ
أعلنت إتش آند إم في مارس عن خطة لإنشاء “توائم رقميين” لـ 30 عارضة أزياء، يمكن استخدام صورهم في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والحملات الإعلانية. وقالت الشركة إن عارضات الأزياء ستمتلك حقوق الملكية الفكرية لتوائمهن الرقميين، بما في ذلك القدرة على السماح لعلامات تجارية أخرى باستخدامها. كانت إتش آند إم تدرك أن هذه الخطوة ستثير الجدل.
وقد تلقت إتش آند إم انتقادات من المؤثرين في مجال الموضة والناشطين في مجال حقوق العمال. واعتبرت بعض الأصوات أن هذه الخطة تروج لمعايير جمال غير واقعية وتهدد الوظائف الإبداعية. وأكدت إتش آند إم في بيان أنها تستكشف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يدعم العملية الإبداعية بطرق مسؤولة. وأقرت الشركة بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي يثير أسئلة ومخاوف مهمة، وأنها ملتزمة بالتعلم والتطور المستمر.
في الختام، يمثل استخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق تطورًا سريعًا ومثيرًا للجدل. من المتوقع أن تستمر العلامات التجارية في استكشاف إمكانات هذه التكنولوجيا، ولكنها ستواجه أيضًا تحديات متزايدة في التعامل مع المخاوف الأخلاقية والاجتماعية المرتبطة بها. سيكون من المهم مراقبة ردود فعل المستهلكين والتطورات التنظيمية في هذا المجال في الأشهر والسنوات القادمة.
