في قلب معركة قانونية مشتعلة، تواجه شركة ميتا اتهامات خطيرة تتعلق بتصميمها المتعمد لمنصتي “فيسبوك” و”إنستغرام” بطرق تهدف إلى إدمان المستخدمين الشباب. هذه القضية، التي يتابعها الرأي العام باهتمام بالغ، وصلت إلى ذروتها مع الاستماع إلى المرافعات الشفهية في أعلى محكمة بولاية ماساتشوستس يوم الجمعة الماضي. الدعوى، التي رفعتها المدعية العامة أندريا كامبل في عام 2024، تثير تساؤلات جوهرية حول المسؤولية الاجتماعية لشركات التكنولوجيا الكبرى وتأثيراتها على الصحة النفسية للأجيال الشابة. يتعلق جوهر الادعاء بـ إدمان فيسبوك وإنستغرام وتأثيره السلبي على المراهقين.

دعوى ماساتشوستس ضد ميتا: التفاصيل والادعاءات

تستند الدعوى القضائية إلى أن ميتا قامت بتصميم ميزات معينة في منصتيها بهدف متعمد لخلق حالة من الإدمان لدى المستخدمين، وخاصة المراهقين، وذلك لتحقيق أقصى قدر من الأرباح. ووفقًا للمدعي العام، فإن هذه الميزات لا علاقة لها بخوارزميات عرض المحتوى، بل تركز بشكل أساسي على آليات الإشعار والتفاعل المستمر التي تشجع المستخدمين على قضاء وقت أطول على المنصات.

الأدلة التي قدمتها الولاية

مَحامِي الولاية، ديفيد كرافيتز، أكد أمام المحكمة أن الأدلة المقدمة تستند إلى أبحاث ميتا الداخلية ذاتها، والتي تظهر بوضوح أن الشركة كانت على علم بتأثير ميزاتها على إدمان المستخدمين. وأضاف أن الهدف من الدعوى ليس الطعن في محتوى المنصات، بل في التصميم الذي يهدف إلى استغلال نقاط الضعف النفسية لدى المراهقين. هذه النقطة مهمة، إذ تضيق نطاق النقاش القانوني وتجعله يركز على سلوكيات التصميم المحددة.

رد فعل ميتا والدفاع القانوني

من جانبها، أبدت ميتا رفضًا قاطعًا لهذه الادعاءات، معربة عن ثقتها في أن الأدلة ستكشف عن التزامها بدعم الشباب وحماية سلامتهم. محامي ميتا، مارك موزير، دافع عن الشركة أمام المحكمة، مشيرًا إلى أن الدعوى تهدف إلى فرض قيود على “وظائف النشر التقليدية” وتتعارض مع الحق في حرية التعبير بموجب التعديل الأول للدستور الأمريكي.

التعديل الأول وحرية التعبير

جادل موزير بأن التركيز على طبيعة المحتوى يُضعف موقف الولاية، في حين أن التركيز على الآليات التي تجذب انتباه المستخدمين يُعطي ميتا مجالًا أوسع للدفاع عن نفسها. وأوضح أن الولاية قد تواجه صعوبة في إثبات أن المنصة تقوم بنشر معلومات كاذبة، وبالتالي فإن الدعوى تركز بشكل غير عادل على كيفية جذب الانتباه، بغض النظر عن المحتوى نفسه.

تركيز القضاة على آليات الإشعار والتفاعل

خلال الجلسة، بدا أن العديد من القضاة يولون اهتمامًا خاصًا بآليات الإشعار والتفاعل التي تستخدمها ميتا. القاضية دليلة ويندلاند أعربت عن قلقها إزاء تصميم خوارزميات الإشعارات التي تعمل على “تغذية الخوف من تفويت الفرصة” (FOMO) لدى المراهقين، وهو أمر شائع في هذه الفئة العمرية. هذا التركيز يشير إلى أن المحكمة قد ترى أن هذه الآليات تمثل جوهر الادعاء بالتصميم الذي يهدف إلى الإدمان.

القاضي سكوت كافكر أضاف بُعدًا آخر من خلال التساؤل عما إذا كان الأمر يتعلق بكيفية نشر المعلومات، أو بكيفية جذب انتباه المستخدمين إليها. وأشار إلى أن جاذبية المنصة لا تعتمد على جودة المحتوى، بل على قدرتها على إبقاء المستخدم منجذبًا إليها، سواء كان المحتوى “فطرة سليمة” أم “هراء”. بعبارة أخرى، القضية تتعلق بتأثير الإشعارات المستمرة و التمرير اللانهائي على آلية جذب الانتباه.

سياق أوسع: دعاوى قضائية متعددة وتصاعد المخاوف

ليست دعوى ماساتشوستس إلا جزء من موجة متصاعدة من الدعاوى القضائية الموجهة ضد ميتا وشركات تكنولوجيا أخرى. في عام 2023، رفعت 33 ولاية أمريكية دعوى قضائية مشتركة تتهم ميتا بجمع بيانات الأطفال دون سن 13 عامًا بشكل غير قانوني. بالإضافة إلى ذلك، هناك دعاوى قضائية أخرى مرفوعة على مستوى الولايات تتهم ميتا بتصميم ميزات تسبب الإدمان للأطفال، مما يؤدي إلى أضرار نفسية واجتماعية.

تقارير حول الأضرار النفسية المحتملة

تقارير صحفية، بدءًا من مقالات صحيفة وول ستريت جورنال في خريف عام 2021، كشفت عن أن ميتا كانت على علم بالأضرار المحتملة التي يمكن أن يسببها إنستغرام للمراهقين، وخاصة الفتيات. وأظهرت دراسة داخلية أن 13.5% من الفتيات المراهقات أبلغن عن تفاقم أفكار الانتحار بسبب إنستغرام، بينما ذكرت 17% منهن أن المنصة ساهمت في تفاقم اضطرابات الأكل. هذه التقارير زادت من الضغط على ميتا لاتخاذ إجراءات أكثر فعالية لحماية المستخدمين الشباب.

انتقادات لميتا وجهود السلامة

ينتقد المراقبون ميتا لعدم اتخاذ خطوات كافية لمعالجة المخاوف المتعلقة بسلامة المراهقين وصحتهم النفسية على منصاتها. تقرير صدر مؤخرًا عن أرتورو بيجار، وهو موظف سابق في ميتا والمبلغ عن المخالفات، وأربع مجموعات غير ربحية، اتهم الشركة باختيار “العناوين الرئيسية المبهجة” حول الأدوات الجديدة للآباء وحسابات إنستغرام للمراهقين بدلًا من اتخاذ “خطوات حقيقية” لمعالجة المخاوف المتعلقة بالسلامة.

في الختام، تمثل دعوى ماساتشوستس ضد ميتا نقطة تحول محتملة في النقاش حول المسؤولية الاجتماعية لشركات التكنولوجيا الكبرى. إذا نجحت الولاية في إثبات أن ميتا قامت بتصميم ميزات بهدف متعمد لخلق حالة من إدمان فيسبوك وإنستغرام لدى المراهقين، فقد يؤدي ذلك إلى تغييرات كبيرة في كيفية تصميم وتشغيل منصات التواصل الاجتماعي. من المهم متابعة تطورات هذه القضية، حيث أنها قد يكون لها تأثير بعيد المدى على مستقبل التكنولوجيا وعلاقتها بالصحة النفسية للأجيال القادمة.

شاركها.