في السنوات الأخيرة، شهدت روسيا تحولات كبيرة في طريقة الوصول إلى المعلومات واستخدامها. ومع اقتراب عام 2025، يلوح في الأفق تغيير جذري قد يغير المشهد الرقمي للبلاد إلى الأبد. فما الذي ينتظر الروس في هذا التحول؟ هذا المقال يتناول القيود المتزايدة على الإنترنت في روسيا، وتأثيرها على الحياة اليومية للمواطنين، والاستراتيجيات الحكومية الكامنة وراء هذه الإجراءات.
تصاعد القيود الرقمية: نظرة على الوضع الحالي
بدأت الحكومة الروسية في تشديد قبضتها على الإنترنت في روسيا بشكل ملحوظ، مع تأثيرات ملموسة على حياة المواطنين. لم يعد الأمر مجرد مراقبة المحتوى، بل أصبح تقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية جزءًا من الواقع اليومي. تخيل أن بطاقة الائتمان الخاصة بك لا تعمل في وسائل النقل العام، أو أن جهاز الصراف الآلي لا يتصل بالشبكة، أو أن تطبيقات المراسلة التي تعتمد عليها معطلة. هذه ليست سيناريوهات خيالية، بل هي تجارب حقيقية يواجهها الروس حاليًا.
حتى الأمهات اللاتي يعتنين بأطفال مصابين بداء السكري يعبرن عن قلقهن بشأن عدم قدرتهن على مراقبة مستويات الجلوكوز في الدم عن بُعد أثناء انقطاع الاتصال. هذه القصص تكشف عن البعد الإنساني لهذه القيود، وتُظهر كيف أنها تؤثر على جوانب حساسة من حياة الناس.
دوافع القيود: الأمن القومي والحماية من الطائرات بدون طيار
تُبرر السلطات الروسية هذه الإجراءات على أنها ضرورية لحماية الأمن القومي، وخاصةً لمواجهة خطر هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية. تزعم الحكومة أنها تهدف إلى منع الطائرات بدون طيار من استخدام شبكات الهاتف المحمول للملاحة. المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أكد أن هذه الإجراءات “مبررة وضرورية تمامًا”.
ومع ذلك، يرى المحللون أن هذه القيود ليست فعالة للغاية في الحد من خطر الطائرات بدون طيار. تشير كاترينا ستيبانينكو، من معهد دراسة الحرب، إلى أن كمية الضربات التي شهدتها روسيا مؤخرًا على مصافي النفط تُظهر أن هذه الإجراءات لم تحقق هدفها. هذا يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه القيود، ويشير إلى أن هناك أهدافًا أخرى قد تكون أكثر أهمية.
“القوائم البيضاء” والبدائل الحكومية
بالتزامن مع عمليات قطع الاتصال، بدأت الحكومة الروسية في تطبيق نظام “القوائم البيضاء”. خلال انقطاع الاتصال، يسمح هذا النظام فقط بالوصول إلى عدد محدود من المواقع والخدمات الإلكترونية الروسية المعتمدة من الحكومة. تشمل هذه القائمة المواقع الرسمية، وخدمات البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي الروسية، والأسواق عبر الإنترنت، ومحرك البحث Yandex.
يهدف هذا النظام إلى توجيه المستخدمين نحو البدائل الحكومية، مثل تطبيق المراسلة MAX، الذي يتم الترويج له بنشاط. يعتبر النقاد MAX أداة للمراقبة، حيث تعلن الشركة صراحةً أنها ستشارك بيانات المستخدم مع السلطات عند الطلب. كما أنه لا يستخدم التشفير الشامل، مما يثير مزيدًا من المخاوف بشأن الخصوصية والأمان.
تأثير القيود على الحياة اليومية
تسببت هذه القيود في اضطرابات كبيرة في حياة المواطنين. في مدينة فلاديفوستوك، على سبيل المثال، اكتشفت مارينا أن تطبيقًا مصرفيًا واحدًا فقط تابعًا للحكومة كان يعمل أثناء انقطاع الإنترنت عبر الهاتف المحمول، مما أثار قلقها بشأن المستقبل. وفي مدينة أوليانوفسك، تعطلت بطاقة ائتمان أحد السكان أثناء استخدامه في محطة الدفع في الترام.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه الآباء الذين لديهم أطفال مصابون بداء السكري صعوبة في مراقبة مستويات الجلوكوز في الدم عن بُعد أثناء انقطاع الاتصال، مما يعرض صحة أطفالهم للخطر. هذه الأمثلة تُظهر كيف أن القيود على الإنترنت في روسيا تؤثر على جوانب أساسية من الحياة اليومية، وتُزيد من صعوبة الأمور بالنسبة للمواطنين.
استراتيجية الحكومة: السيطرة والتوجيه
يبدو أن استراتيجية الحكومة الروسية تتجاوز مجرد حماية الأمن القومي. تهدف هذه الإجراءات إلى تقليل اعتماد المواطنين على الإنترنت المفتوح، وتوجيههم نحو البدائل الحكومية. يعتقد دينيس فولكوف، مدير مركز ليفادا، أن الحكومة تسعى إلى جعل الوصول إلى “المحتوى البديل” أكثر صعوبة، حتى يتوقف الناس عن البحث عنه.
كما أن القيود المفروضة على بطاقات SIM، مثل “فترات التبريد” بعد السفر إلى الخارج، تهدف إلى التحكم في حركة الاتصالات وتقييد الوصول إلى المعلومات من مصادر خارجية. هذه الإجراءات مجتمعة تُشير إلى رغبة الحكومة في السيطرة على المشهد الرقمي، وتوجيهه نحو أهدافها الخاصة.
مستقبل الإنترنت في روسيا
مع استمرار تصاعد القيود، يبدو مستقبل الإنترنت في روسيا قاتمًا. يتوقع الخبراء المزيد من التضييق على مواقع الويب، والشبكات الافتراضية الخاصة، وتطبيقات المراسلة. قد يتم حظر تطبيقات Telegram وWhatsApp بالكامل، وقد يتم اتخاذ إجراءات أخرى غير متوقعة.
ومع ذلك، يرى البعض أن الإنترنت مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأنشطة الاقتصادية بحيث لا يمكن إغلاقه بالكامل. تشير التقديرات إلى أن ملايين المعاملات التجارية تتم عبر الإنترنت يوميًا، مما يجعل إغلاقه أمرًا صعبًا للغاية. ومع ذلك، هذا لا يعني أن الحكومة لن تحاول فرض المزيد من القيود والسيطرة.
في النهاية، سيبقى الأمر معلقًا على قدرة المواطنين الروس على التكيف مع هذه القيود، والبحث عن طرق جديدة للوصول إلى المعلومات والتعبير عن آرائهم. العالم يراقب عن كثب، بينما تتشكل ملامح الإنترنت في روسيا في ظل هذه التغيرات الدراماتيكية، وهل ستنجح الحكومة في تحقيق أهدافها للسيطرة الكاملة على الفضاء الرقمي.
