في خطوة تهدف إلى إعادة تشكيل برنامج تأشيرات العمل في الولايات المتحدة، أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية عن تغييرات جذرية في نظام اختيار المستفيدين من تأشيرات H-1B. هذه التأشيرات، التي تسمح للشركات بتوظيف عمال أجانب مؤهلين في تخصصات مثل تكنولوجيا المعلومات والهندسة، كانت حتى الآن تُمنح عبر نظام القرعة العشوائية. التغيير الجديد يركز على إعطاء الأولوية للعمال الأجانب ذوي المهارات العالية والأجور المرتفعة، في محاولة لمعالجة الانتقادات الموجهة للبرنامج. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل تأشيرة H-1B وتأثيره على كل من العمال الأمريكيين والأجانب.

التغييرات الجديدة في نظام اختيار تأشيرة H-1B

بدلاً من الاعتماد على القرعة العشوائية، ستعتمد وزارة الأمن الداخلي نظامًا يعطي وزنًا أكبر للعوامل المتعلقة بمهارات العمال الأجانب ومستويات أجورهم. يهدف هذا النظام الجديد إلى ضمان أن التأشيرات تذهب إلى الأفراد الذين يمكنهم المساهمة بشكل كبير في الاقتصاد الأمريكي، والذين لا يهددون فرص العمل المتاحة للعمال الأمريكيين.

كما ذكر المتحدث باسم خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية، ماثيو تراجيسر، أن النظام السابق كان عرضة للاستغلال من قبل الشركات التي تسعى لخفض تكاليف العمالة عن طريق استيراد عمال أجانب بأجور أقل. هذه الممارسة، بحسب النقاد، تقوض سوق العمل الأمريكي وتؤثر سلبًا على الأجور.

رسوم إضافية وتأشيرة “البطاقة الذهبية”

التغييرات في نظام تأشيرة H-1B تأتي في أعقاب إجراءات أخرى اتخذتها إدارة ترامب. من بين هذه الإجراءات، فرض رسوم سنوية قدرها 100 ألف دولار على الشركات التي تطلب تأشيرات H-1B، وهو الإجراء الذي لا يزال قيد الطعن القضائي.

بالإضافة إلى ذلك، أصدر الرئيس ترامب تأشيرة “البطاقة الذهبية” التي تتيح للأفراد الأثرياء الحصول على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة مقابل استثمار بقيمة مليون دولار. هذه التأشيرة، التي تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، أثارت جدلاً واسعًا حول مساواة الفرص والوصول إلى الجنسية الأمريكية.

الشركات الكبرى والمستفيدون من تأشيرة H-1B

تاريخيًا، كانت الشركات التكنولوجية الكبرى هي المستفيد الأكبر من برنامج تأشيرة H-1B. ففي العام الحالي، حصلت شركة أمازون على أكبر عدد من التأشيرات، حيث تمت الموافقة على أكثر من 10 آلاف تأشيرة. وتبعتها شركات مثل تاتا للخدمات الاستشارية، ومايكروسوفت، وأبل، وجوجل.

كما أن ولاية كاليفورنيا تحتضن أكبر تركيز للعمال الحاصلين على تأشيرات العمل H-1B، نظرًا لوجود العديد من الشركات التكنولوجية الكبرى في المنطقة. هذا التركز يعكس أهمية هذه التأشيرات في دعم قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

دوافع التغيير ومخاوف أصحاب العمل

الدافع الرئيسي وراء هذه التغييرات هو الرغبة في حماية العمال الأمريكيين وضمان أن برنامج تأشيرة H1B لا يستخدم كأداة لخفض الأجور. ويرى المؤيدون أن هذه الخطوة ستعزز الابتكار والنمو الاقتصادي من خلال جذب العمال الأجانب ذوي المهارات العالية الذين يمكنهم المساهمة في تطوير الصناعات الأمريكية.

ومع ذلك، أعرب بعض أصحاب العمل عن قلقهم بشأن هذه التغييرات. يرون أن نظام القرعة العشوائية كان يسمح لهم بتوظيف مجموعة متنوعة من العمال الأجانب، بما في ذلك أولئك الذين يعملون في مجالات الرعاية الصحية والتعليم، حيث قد يكون من الصعب العثور على عمال أمريكيين مؤهلين. كما يخشون أن يؤدي التركيز على الأجور المرتفعة إلى استبعاد بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تستطيع تحمل تكاليف العمالة المرتفعة.

مستقبل برنامج تأشيرة H-1B

من المقرر أن يدخل النظام الجديد حيز التنفيذ في 27 فبراير 2026، وسيتم تطبيقه على موسم تسجيل تأشيرة H-1B القادم. من المتوقع أن يكون لهذا التغيير تأثير كبير على سوق العمل الأمريكي، وعلى الشركات التي تعتمد على العمال الأجانب المؤهلين.

الجدل حول تأشيرات H-1B مستمر، حيث يرى البعض أنها ضرورية لدعم الابتكار والنمو الاقتصادي، بينما يرى آخرون أنها تقوض فرص العمل المتاحة للعمال الأمريكيين. من الواضح أن هذه التأشيرات ستظل موضوعًا ساخنًا للنقاش في السنوات القادمة، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد توازن بين جذب المواهب الأجنبية وحماية مصالح عمالها المحليين.

التأثير المحتمل على الابتكار والنمو الاقتصادي

يعتقد الكثيرون أن برنامج H-1B يلعب دورًا حيويًا في دفع الابتكار والنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. فهو يسمح للشركات بملء الوظائف الشاغرة في المجالات المتخصصة التي قد لا يتوفر فيها عمال أمريكيون مؤهلون. بالإضافة إلى ذلك، يجلب العمال الأجانب وجهات نظر وخبرات جديدة يمكن أن تساعد في تحفيز الإبداع والابتكار.

ومع ذلك، يرى النقاد أن البرنامج يمكن أن يؤدي إلى خفض الأجور وتشريد العمال الأمريكيين. ويقولون إن الشركات يمكنها استغلال نظام التأشيرات لدفع أجور أقل من خلال تصنيف الوظائف عند أدنى مستويات المهارة، حتى عندما يتمتع العمال المعينون بخبرة أكبر. لذلك، فإن التغييرات الجديدة في نظام اختيار التأشيرات تهدف إلى معالجة هذه المخاوف وضمان أن البرنامج يخدم مصالح كل من العمال الأمريكيين والأجانب.

في الختام، يمثل التغيير في نظام اختيار تأشيرة H-1B محاولة لإعادة تقييم دور هذه التأشيرات في الاقتصاد الأمريكي. سيكون من المهم مراقبة تأثير هذه التغييرات على سوق العمل، وعلى الشركات، وعلى العمال الأمريكيين والأجانب على حد سواء. كما يجب على صانعي السياسات الاستمرار في تقييم البرنامج وإجراء التعديلات اللازمة لضمان أنه يخدم مصالح جميع الأطراف المعنية.

شاركها.