في تطور مثير لعشاق الألغاز وعالم التشفير، بيعت أسرار حل آخر رسالة مشفرة لم يتم فك رموزها في منحوتة “كريبتوس” الشهيرة الموجودة في مقر وكالة المخابرات المركزية (CIA) في فرجينيا، في مزاد علني بمبلغ يقارب مليون دولار. هذا الحدث يمثل نهاية فصل من الغموض الذي دام عقودًا، ويفتح الباب أمام فهم أعمق للعمل الفني المعقد الذي ابتكره الفنان جيم سانبورن.
فك رموز “كريبتوس”: مزاد تاريخي يكشف الأسرار
تم بيع الأرشيف الكامل للفنان جيم سانبورن، مبتكر منحوتة “كريبتوس”، في مزاد أقامته دار RR للمزادات في بوسطن مقابل 963 ألف دولار. يشمل هذا الأرشيف وثائق ومخططات ترميزية تفصيلية تتعلق بالمنحوتة التي تم تدشينها عام 1990. المنحوتة، التي تبلغ تبلغ من الطول ثلاثة أمتار، تحتوي على أربع رسائل مشفرة، تمكن الخبراء من حل ثلاث منها (K1، K2، K3)، بينما ظلت الرسالة الرابعة (K-4) عصية على الفهم لعقود.
هذا المزاد لم يكن مجرد عملية بيع لأوراق ومخططات، بل كان بيعًا لفرصة. سيحصل المشتري المجهول على اجتماع خاص مع سانبورن البالغ من العمر 80 عامًا، لمراجعة الرموز والرسوم البيانية، والتعمق في الهدف الفني وراء الرسالة K-4، وحتى الفقرة البديلة التي أطلق عليها الفنان اسم K-5.
“كريبتوس”: تحفة فنية تتحدى العقول
منحوتة “كريبتوس” ليست مجرد عمل فني، بل هي تحدٍ فكري. تشبه في تصميمها قطعة من الورق تخرج من جهاز فاكس، وتحتوي على سلسلة من الحروف الهجائية المتداخلة التي تعتبر مفتاحًا أساسيًا لفك تشفير الرسائل الأربع. على مر السنين، حاول العديد من خبراء تحليل الشفرات المتحمسين فك رموز الرسالة K-4، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.
لقد أثار هذا الغموض اهتمامًا واسعًا، لدرجة أن سانبورن بدأ في تلقي طلبات استفسار بشكل مستمر، مما دفعه إلى فرض رسوم قدرها 50 دولارًا لكل محاولة إرسال. قرر الفنان في النهاية بيع الحل لـ K-4، ووضعه في أيدي شخص يأمل أن يحافظ على أسراره ويواصل التفاعل مع المهتمين.
رحلة البحث عن حل “كريبتوس”
على الرغم من الجهود المضنية، ظلت الرسالة K-4 لغزًا محيرًا. حتى أن سانبورن تلقى اتصالات منتظمة من شخص واحد على مدار العقدين الماضيين في محاولة لحل المشكلة. ومع ذلك، فإن الاكتشاف الحاسم لم يكن فك الشفرة نفسه، بل العثور على النصوص الأصلية المشوشة التي كتبها سانبورن في أوراق الفنان في سميثسونيان.
هذا الاكتشاف، الذي تم بواسطة اثنين من محققي “كريبتوس”، أدى إلى تغيير مسار المزاد. بدلاً من بيع الأسرار الخاصة بـ K-4 فقط، تم بيع الأرشيف الكامل للفنان. كما أوضح سانبورن لوكالة أسوشيتد برس: “الفرق المهم هو أنهم اكتشفوه. ولم يفكوا شفرته. ليس لديهم المفتاح. وليس لديهم الطريقة التي يفكون بها شفرته.”
ما بعد المزاد: خطة إشراف طويلة المدى
تجري حاليًا دار المزاد وضع “خطة إشراف طويلة المدى” للمشتري، لضمان الحفاظ على الأرشيف واستخدامه بشكل مسؤول. هذا يشير إلى أن المشتري لا ينظر إلى الأرشيف على أنه مجرد مجموعة من الوثائق، بل ككنز فني وتاريخي يجب الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
من الجدير بالذكر أن سانبورن قام بإنشاء حوالي 50 منحوتة عامة أخرى، بما في ذلك نصب تذكاري لإطلاق النار الجماعي الذي وقع عام 2019 في أوديسا، تكساس. هذا يوضح أن عمله الفني يتجاوز مجرد الألغاز والتشفير، ليشمل أيضًا قضايا اجتماعية وثقافية مهمة.
مستقبل “كريبتوس” والتحليل الشفري
بيع أرشيف سانبورن يمثل لحظة تاريخية في عالم تحليل الشفرات و الألغاز المعقدة. من المؤكد أن المشتري الجديد سيستفيد من فرصة العمل مع الفنان مباشرة، والتعمق في أسرار “كريبتوس”.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا الحدث إلى إحياء الاهتمام بـ التشفير و حل الألغاز، وتشجيع المزيد من الأشخاص على استكشاف هذا المجال المثير. من الممكن أيضًا أن يلهم هذا المزاد فنانين آخرين لإنشاء أعمال فنية مماثلة، تجمع بين الجمال الفني والتحدي الفكري.
في الختام، يمثل بيع أسرار “كريبتوس” نهاية فصل وبداية فصل جديد في قصة هذا العمل الفني الفريد. سواء تمكن المشتري الجديد من فك رموز الرسالة K-4 بالكامل أم لا، فإن هذا المزاد سيظل ذكرى خالدة في عالم الألغاز والتشفير. نتطلع إلى رؤية كيف ستتطور هذه القصة في المستقبل، وما هي الأسرار الأخرى التي قد تكشفها منحوتة “كريبتوس” في يوم من الأيام.
