في السنوات الأخيرة، أثيرت مخاوف متزايدة بشأن نطاق المراقبة الحكومية وتأثيرها على الحريات المدنية. وكشفت تحقيقات حديثة أجرتها وكالة أسوشيتد برس عن برنامج سري واسع النطاق تديره دورية الحدود الأمريكية، يراقب ملايين السائقين في جميع أنحاء البلاد. هذا البرنامج، الذي يعتمد على تقنيات متطورة مثل قراءة لوحات الترخيص والذكاء الاصطناعي، يثير تساؤلات مهمة حول الخصوصية والحقوق الدستورية. يهدف هذا المقال إلى استكشاف تفاصيل هذا البرنامج، وكيفية عمله، وردود الفعل عليه، وتأثيره المحتمل على المواطنين الأمريكيين.
برنامج المراقبة السري لدورية الحدود الأمريكية: نظرة عامة
يكشف تحقيق وكالة أسوشيتد برس عن أن دورية الحدود الأمريكية لا تقتصر على مراقبة الحدود، بل تمتد عملياتها إلى داخل البلاد لمراقبة الأنشطة اليومية للمواطنين. يعتمد البرنامج على شبكة واسعة من الكاميرات التي تسجل معلومات لوحات ترخيص السيارات، ثم تستخدم خوارزميات معقدة لتحديد المركبات التي تعتبر “مشبوهة” بناءً على مساراتها وأماكن انطلاقها ووجهتها.
كيف يعمل البرنامج؟
تعتمد دورية الحدود الأمريكية على تحليل البيانات لتحديد الأنماط التي قد تشير إلى نشاط إجرامي. يتم وضع علامة على المركبات التي تثير الشكوك، ويمكن للعملاء الفيدراليين بعد ذلك إبلاغ سلطات إنفاذ القانون المحلية. غالبًا ما يجد السائقون أنفسهم متوقفين بسبب مخالفات بسيطة مثل السرعة أو عدم الإشارة عند الانعطاف، ثم يتم استجوابهم وتفتيشهم دون علمهم بأن سلوكهم على الطريق قد وضعهم على رادار سلطات إنفاذ القانون.
تاريخ البرنامج وتطوره
بدأ هذا النظام في الأصل قبل حوالي عقد من الزمن بهدف مكافحة الأنشطة غير القانونية المتعلقة بالحدود، مثل تهريب المخدرات والبشر. ومع ذلك، فقد توسع البرنامج بشكل كبير على مدى السنوات الخمس الماضية، وأصبح يشمل مراقبة أوسع نطاقًا للمواطنين الأمريكيين. حاولت دورية الحدود إخفاء تفاصيل البرنامج، وغالبًا ما كانت تخفي قراء لوحات الترخيص في معدات السلامة المرورية.
ردود فعل الحكومة الأمريكية
أكدت وكالة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، وهي الهيئة الأم لدورية الحدود، أنها تستخدم قراء لوحات الترخيص للمساعدة في تحديد التهديدات وتعطيل الشبكات الإجرامية. وأشارت الوكالة إلى أنها تلتزم بإطار سياسات صارم وقوانين فيدرالية لضمان استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول. ومع ذلك، رفضت الوكالة تقديم تفاصيل محددة حول التطبيقات التشغيلية للبرنامج، بحجة “الأمن القومي”. كما أكدت الوكالة أنها قانونًا مخولة بالعمل في أي مكان في الولايات المتحدة، وليس فقط على بعد 100 ميل من الحدود.
المخاوف القانونية والدستورية
يثير برنامج المراقبة هذا مخاوف قانونية ودستورية كبيرة. في حين أن المحاكم قد أيدت بشكل عام جمع لوحات الترخيص من السيارات على الطرق العامة، إلا أن بعض الباحثين القانونيين يرون أن نمو شبكات المراقبة الرقمية واسعة النطاق يثير تساؤلات حول التعديل الرابع للدستور الأمريكي، الذي يحمي الأفراد من التفتيش والمصادرة غير المعقولين.
آراء الخبراء القانونيين
يرى أندرو فيرجسون، أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، أن المحاكم بدأت تدرك أن “تكنولوجيا المراقبة واسعة النطاق التي تلتقط الجميع وفي كل مكان وفي كل وقت” قد تكون غير دستورية. كما أعربت نيكول أوزر، المديرة التنفيذية لمركز الديمقراطية الدستورية، عن قلقها بشأن جمع كميات هائلة من المعلومات حول هوية الأشخاص وأماكن ذهابهم وأنشطتهم وعلاقاتهم. وتؤكد أوزر أن هذه الأنظمة لا تجعل المجتمعات أكثر أمانًا.
التعاون مع وكالات أخرى وتوسيع نطاق المراقبة
أصبحت دورية الحدود الأمريكية أكثر قوة من خلال التعاون مع وكالات أخرى، مثل إدارة مكافحة المخدرات ووكالة الأمن القومي، بالإضافة إلى الشركات الخاصة وبرامج إنفاذ القانون المحلية الممولة من المنح الفيدرالية. وقد طلبت وكالات إنفاذ القانون في تكساس من دورية الحدود استخدام التعرف على الوجه لتحديد السائقين. يشير هذا التعاون إلى تحول دورية الحدود إلى عملية استخباراتية محلية.
مستقبل البرنامج والاستثمار في التكنولوجيا
في ظل الجهود المكثفة التي بذلتها إدارة ترامب لإنفاذ قوانين الهجرة، تستعد الجمارك وحماية الحدود الآن للحصول على أكثر من 2.7 مليار دولار لبناء أنظمة مراقبة الحدود، مثل برنامج قراءة لوحات الترخيص، من خلال دمج الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى. هذا الاستثمار يشير إلى أن البرنامج سيستمر في التوسع والتطور في المستقبل.
الخلاصة
يكشف برنامج المراقبة السري الذي تديره دورية الحدود الأمريكية عن مدى اتساع نطاق المراقبة الحكومية في الولايات المتحدة. بينما تبرر الحكومة هذا البرنامج بأنه ضروري للأمن القومي ومكافحة الجريمة، إلا أنه يثير مخاوف جدية بشأن الخصوصية والحقوق الدستورية. من الضروري إجراء نقاش عام حول هذه القضايا، وإيجاد توازن بين الأمن والحريات المدنية. يجب على المواطنين أن يكونوا على دراية بحقوقهم وأن يطالبوا بالشفافية والمساءلة من الحكومة. هل هذا البرنامج ضروري حقًا للأمن القومي، أم أنه تجاوز حدود المراقبة المقبولة؟ هذا هو السؤال الذي يجب على المجتمع الأمريكي أن يجيب عليه.
