في أروقة مجمع الشفاء الطبي، أكبر مستشفى في غزة، يتكشف مشهد قاتم.

يجلس الأطفال الذين بترت أطرافهم في صمت، بينما تصطف العائلات النازحة في الممرات، وبعضهم يحمل أنابيب وريدية معلقة على الأبواب، وكالة الأناضول التقارير.

عاد الدكتور محمد أشرف، طبيب الطوارئ الفلسطيني في أكبر مستشفى في غزة ومسؤول المشاريع في مجموعة الإغاثة الطبية التركية Yeryuzu Doktorlari، مؤخرًا من مهمة عمل استمرت 45 يومًا في مستشفى الشفاء.

قبل الهجوم الإسرائيلي المستمر على القطاع، والذي دخل الآن شهره الحادي عشر، حضر أشرف دورة تدريبية حول إدارة الإصابات الجماعية مع منظمة الصحة العالمية.

وأضاف “لقد تم تدريبنا على التعامل مع ما يصل إلى 90 إصابة في الساعة”.

لكن واقع الحرب كان يفوق استعداداتهم بكثير.

وقال أشرف “خلال قصف مستشفى المعمدانية الاهلي استقبلنا في مستشفى الشفاء 500 اصابة خلال 25 دقيقة”.

يقرأ: الهواء السام في غزة “حكم إعدام” للفلسطينيين المحاصرين، يحذر الخبراء

وقد أدى هذا التدفق من المرضى إلى إرهاق المنشأة، التي كانت تعاني بالفعل من نقص المعدات والكهرباء والوقود لمولداتها وغير ذلك من الضروريات الأساسية.

كان الضغط الذي فرضته الحرب الإسرائيلية على غزة شديداً على العاملين في المجال الطبي، حيث قُتل ما لا يقل عن 500 شخص وجُرح 1500 آخرين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، واعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 300 شخص، وفقاً لأحدث الأرقام الرسمية.

ورغم هذه التحديات، يظل العاملون في المجال الطبي في غزة عازمين على تقديم المساعدة، حيث يساعد العديد منهم الناس في المستشفيات الأربعة الوحيدة التي تعمل جزئياً – مستشفى كمال عدوان، والمستشفى الإندونيسي، ومستشفى شهداء الأقصى، ومستشفى ناصر.

هل احضرتنا إلى الجحيم؟

ومع تكثيف القصف الإسرائيلي، أصبحت المستشفيات أكثر من مجرد مرافق طبية، بل أصبحت بمثابة ملاجئ للنازحين.

وذكر أشرف أنه أثناء معالجته لمريض يعاني من نزيف حاد، علم أن الرجل تلقى إصابته في مبنى الولادة بالمستشفى، حيث لجأت عائلة الطبيب.

وعندما فتح باب الجناح وجد أمه وأخته وأطفالها مغطون بالغبار، لكنهم على قيد الحياة، كما حكى.

فصاحوا إليه: هل أوصلتنا إلى الجحيم؟

وبعد أشهر، لا يزال المشهد في مستشفى الشفاء مكتظًا بالناس وندرة في الخدمات. ويملأ الجرحى والنازحون كل مساحة متاحة ــ الممرات والغرف والساحات. ومع ندرة الموارد، يتقاسم المرضى والأسر النازحة والطاقم الطبي ما لديهم من طعام وماء.

هل أنا في الجنة؟

ورغم المخاطر، فقد هرع الناس لدعم المستشفيات المكتظة.

عندما أعلن الجيش الإسرائيلي عن شن هجوم بري على جنوب خانيونس في أواخر يوليو/تموز، دعا الأطباء على وجه السرعة إلى التبرع بالدم عبر تطبيق الرسائل الفورية “واتساب”. وكان الرد عبارة عن تدفق مئات الأشخاص، الذين خاطروا بحياتهم للتبرع بالدم في المستشفيات وسط قصف عنيف وشوارع مهجورة.

لقد كانت الخسائر البشرية طيلة هذه الأزمة فادحة، ولا سيما بين الأطفال.

يقرأ: وزارة الصحة في غزة تطلق نداءً يائسًا لإنقاذ النظام الصحي في ظل الحرب الإسرائيلية

ويروي أشرف لقاءً مفجعًا مع فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات مغطاة بجروح ناجمة عن الشظايا. فسألته: “هل أنا في الجنة؟”. “أخبرتني أمي أنه عندما نتعرض للقصف، فإننا نذهب إلى الجنة”. ومن المؤسف أن الفتاة توفيت بعد ساعات.

وتؤكد الرواية على الطبيعة المدنية للعديد من الضحايا، وهي النقطة التي أكد عليها أشرف: “هل تعتقد أن هذه الفتاة البالغة من العمر تسع سنوات كانت أي شيء إلا مدنية؟”

اجراءات يائسة

سلطت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الضوء على الظروف المعيشية الصعبة في قطاع غزة.

وقالت الوكالة إن “العائلات في غزة تعيش ظروفا غير إنسانية، مع وصول محدود إلى المياه والصرف الصحي مما يؤدي إلى زيادة في الالتهابات الجلدية والأمراض”، مؤكدة على الحاجة الملحة لمزيد من الوصول الإنساني لإدخال الوقود للمياه النظيفة ولوازم النظافة والتنظيف، بما في ذلك الصابون.

لقد أجبر نقص الإمدادات الطبية مقدمي الرعاية الصحية على اتخاذ تدابير يائسة. ومع خلو العديد من الصيدليات في مختلف أنحاء القطاع من الأدوية المنقذة للحياة، اضطر العديد من الأطباء إلى اللجوء إلى تدابير مثل نصح المرضى باستخدام مياه البحر للعلاج.

كما أدى نقص مستلزمات النظافة والمستلزمات الطبية، مثل اللقاحات الأساسية، إلى عودة ظهور الأمراض المعدية الشديدة، مثل شلل الأطفال، الذي يصيب الأطفال في الغالب.

بعد الإنذار العالمي بشأن خطر شلل الأطفال في غزة، أجريت حملة تطعيم طارئة هذا الشهر في القطاع، على الرغم من الهجمات الإسرائيلية المستمرة.

وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، تم تطعيم أكثر من 560 ألف طفل دون سن العاشرة خلال الحملة المكونة من ثلاث مراحل.

يقرأ: الاتحاد الأوروبي: 31 من أصل 36 مستشفى في غزة تضررت أو دمرت

شاركها.