بيروت، 22 ديسمبر – سعى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى تسريع إقرار مشروع قانون يهدف إلى تمكين المودعين من استعادة أموالهم المجمدة في النظام المصرفي منذ الانهيار المالي عام 2019، في خطوة تعتبر حاسمة لإحياء الاقتصاد اللبناني. هذا الانهيار، الناتج عن عقود من السياسات المالية غير المستدامة، والهدر، والفساد، أدى إلى توقف الدولة عن سداد ديونها السيادية وتدهور قيمة الليرة اللبنانية بشكل كبير.

مشروع قانون استعادة أموال المودعين: خطوة نحو التعافي الاقتصادي

يمثل مشروع القانون هذا المحاولة التشريعية الأولى من قبل بيروت لمعالجة العجز التمويلي الهائل – الذي قُدر بـ 70 مليار دولار في عام 2022 ولكن يُعتقد الآن أنه أعلى من ذلك. وأكد ميقاتي أن القانون يهدف إلى تحقيق “العدالة للمودعين” بالإضافة إلى دعم التعافي في القطاع المصرفي، مشيراً إلى أنه واقعي وقابل للتطبيق.

وقد وافق مجلس الوزراء بالفعل على عدد من المواد المتعلقة بالمشروع يوم الاثنين، وستستأنف المناقشات يوم الثلاثاء، وفقًا لتصريح وزير الإعلام بول مرقص. بعد موافقة الحكومة، يجب أن يمرر القانون في البرلمان اللبناني المنقسم. يعتبر إقرار هذا القانون ضروريًا لاستعادة الثقة بالنظام المالي الذي يعاني من أزمة حادة منذ عام 2019، مما أدى إلى قيود صارمة على السحب وتجميد مدخرات الكثير من اللبنانيين.

تفاصيل خطة السداد: تفاوت بين المودعين الصغار والكبار

يتضمن مشروع القانون آلية مختلفة لسداد المبالغ المجمدة بناءً على حجم الودائع. سيحصل المودعون الصغار – وهم أصحاب الودائع التي تقل قيمتها عن 100,000 دولار أمريكي – على سداد أقساط شهرية أو ربع سنوية على مدى أربع سنوات. هذا التمييز يهدف إلى إعطاء الأولوية للمودعين الأكثر تضرراً من الأزمة.

أما الودائع التي تزيد عن 100,000 دولار، فسيتم سدادها من خلال أوراق مالية قابلة للتداول مدعومة بأصول، تصدرها المصارف أو مصرف لبنان (بنك لبنان المركزي). يتم تحديد الحد الأدنى للسداد السنوي بـ 2٪ من قيمة الوديعة. وتختلف مدة استحقاق هذه الأوراق المالية بناءً على حجم الوديعة:

  • 10 سنوات للودائع التي تصل قيمتها إلى مليون دولار.
  • 15 سنة للودائع التي تتراوح قيمتها بين مليون دولار و 5 ملايين دولار.
  • 20 سنة للودائع التي تزيد قيمتها عن 5 ملايين دولار.

وتوضح مسودة القانون أن هذه الأوراق المالية ستكون مدعومة بدخل وإيرادات وعوائد الأصول المملوكة لمصرف لبنان، بالإضافة إلى أي عائدات من بيع الأصول، إن وجدت. وقد ذكرت المسودة المعادن الثمينة، التي شهدت ارتفاعًا في قيمتها هذا العام، كمصدر محتمل للدخل. وسوف تتحمل البنوك التجارية 20% من مسؤولية سداد هذه الأوراق المالية.

دور مصرف لبنان والتمويل المشترك

يلعب مصرف لبنان دورًا رئيسيًا في تمويل عملية السداد، حيث سيشارك مع البنوك التجارية في تمويل سداد الودائع الصغيرة، على ألا تتجاوز حصة مصرف لبنان 60٪ من إجمالي التمويل. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تحويل الديون المستحقة للدولة لمصرف لبنان إلى سندات بمدة فائدة يتم الاتفاق عليها بين وزارة المالية والمصرف المركزي.

من جهته، صرح وزير المالية ياسين جابر أن تنفيذ هذا القانون سيعزز الاقتصاد، من خلال ضخ ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار أمريكي سنويًا إلى النظام المصرفي.

اعتراضات البنوك وتساؤلات حول التطبيق

في المقابل، أعربت جمعية المصارف في لبنان عن اعتراضها على مشروع القانون يوم الأحد، مشيرة إلى أن المقترحات لا تعكس قدرة البنوك على الوفاء “بالتزاماتها تجاه المودعين” وأن الدولة لم تكن “تفي بديونها المستحقة لمصرف لبنان”. هذه الاعتراضات تبرز التحديات المحتملة في تنفيذ القانون، خاصة فيما يتعلق بمدى قدرة البنوك على تحمل الأعباء المالية المترتبة عليه.

هناك أيضًا تساؤلات حول الجوانب التنفيذية للقانون. يرى مايك عازار، خبير في النظام المالي، أن مشروع القانون يبدو غامضًا عن قصد فيما يتعلق بمسائل حساسة سياسيًا ولكنها حاسمة. “على سبيل المثال، ماذا يحدث إذا لم يتمكن مصرف لبنان أو البنوك من سداد ما يدينون به للمودعين؟” وتحويل الودائع إلى أوراق مالية مدعومة بأصول صادرة عن مصرف لبنان قد يعني وجود “دين حكومي طارئ” كبير.

الحاجة إلى تقييم الأصول وتدقيق دولي

ويؤكد عازار على ضرورة أن تقدم الحكومة تحليلًا كميًا لدعم الخطة، بما في ذلك مبالغ سداد الودائع ومصادر التمويل واحتياجات إعادة رسملة البنوك. ومع ذلك، أشار جابر إلى أن قيمة أصول مصرف لبنان من الذهب قد ارتفعت مع ارتفاع أسعار الذهب منذ عام 2020، مما سيعزز الثقة في الأوراق المالية المدعومة بالأصول.

ويتطلب القانون إجراء تقييم دولي لأصول مصرف لبنان من قبل شركة تدقيق دولية مرموقة في غضون شهر واحد لتحديد حجم العجز التمويلي. كما يجب على البنوك إجراء مراجعة لجودة الأصول وإعادة الرسملة. ويسمح القانون بتصفية بعض الودائع الدولارية، بما في ذلك الودائع الناتجة عن تحويل الأموال من الليرة اللبنانية إلى الدولار بالسعر الرسمي بعد انهيار قيمتها، بالإضافة إلى الودائع التي تحتوي على أموال غير مشروعة، وفقًا لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

إقرار هذا القانون يمثل خطوة مهمة نحو معالجة أزمة الودائع في لبنان، لكن نجاحه يعتمد على التنفيذ الفعال والشفاف، بالإضافة إلى معالجة المخاوف التي أثارتها البنوك والخبراء الماليين. يبقى استعادة أموال المودعين هو التحدي الأكبر الذي يواجه لبنان في سبيل استعادة الاستقرار الاقتصادي والثقة بالنظام المالي. ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر توافقًا سياسيًا وجهودًا مشتركة من جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى تطبيق إصلاحات هيكلية لمعالجة المشكلات العميقة التي أدت إلى هذه الأزمة. القطاع المصرفي اللبناني بحاجة ماسة لإعادة الثقة به، والتعافي الاقتصادي مرهون بتحقيق ذلك.

شاركها.