تنتفض المحكمة الجنائية الدولية ضد العقوبات الأمريكية، وتصفها بالمهينة. تصاعدت حدة التوتر بين المحكمة الجنائية الدولية والولايات المتحدة الأمريكية بعد إدانة نائبة المدعي العام للمحكمة، مام ماندیای نیانغ، للعقوبات المفروضة على مسؤولي المحكمة، واصفاً إياها بأنها تضعهم على قدم المساواة مع “الإرهابيين وتجار المخدرات”. تأتي هذه التصريحات في وقت تواجه فيه المحكمة ضغوطاً متزايدة من واشنطن بسبب تحقيقاتها في جرائم حرب محتملة.

العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية: إدانة شديدة اللهجة

أدلى مام ماندیای نیانغ، نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بتصريحات قوية لوكالة فرانس برس، معرباً عن استيائه العميق من العقوبات المفروضة على مسؤولي المحكمة من قبل الولايات المتحدة. وأكد نیانغ أن العقوبات لا تقتصر على جانب واحد، بل تمتد لتشمل حياته الشخصية وحياة أسرته، بالإضافة إلى تأثيرها على عمل المحكمة بشكل عام.

هذه ليست المرة الأولى التي تعبر فيها المحكمة عن قلقها بشأن التدخل الأمريكي في عملها. وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية ردًا على فتح تحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبت في أفغانستان من قبل القوات الأمريكية وإسرائيل. تُعد هذه العقوبات خطوة تصعيدية في الجدل المستمر حول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وسلطتها.

تأثير العقوبات على الحياة اليومية

أوضح نیانغ أن العقوبات أثرت بشكل مباشر على حياته اليومية، مشيراً إلى أنه لم يتمكن من شحن سيارته الهجينة بسبب حظر بطاقته الائتمانية الأمريكية Express. وأضاف: “لدي اشتراك لا علاقة له بالولايات المتحدة على الإطلاق، ولكني بحاجة إلى بطاقة ائتمان. وفجأة اكتشفت أنني لا أستطيع حتى شحن سيارتي.”

بالإضافة إلى ذلك، أعرب نیانغ عن قلقه من إمكانية حظر حسابات أفراد عائلته إذا حاول إرسال أموال إليهم. هذا الخوف، كما يوضح، يعيق قدرته على دعم أسرته بشكل طبيعي. هذه التفاصيل تظهر التأثير الوخيم للعقوبات ليس فقط على الأفراد المعنيين ولكن أيضاً على أقاربهم.

تسييس العدالة: خطر “تشويه الشرعية”

أشار نیانغ إلى أن العقوبات، على الرغم من مكانتها في العلاقات الدولية، إلا أن مهاجمة المحكمة الجنائية الدولية – وهي المحكمة الدائمة الوحيدة لمحاكمة مشتبه بهم في ارتكاب جرائم حرب – تحمل خطر “تشويه الشرعية” لهذه الأداة. ويعتبر هذا التشويه بمثابة تقويض لمبدأ المساءلة والعدالة الجنائية الدولية.

وأضاف: “يمكن للمرء أن يختلف مع ما نقوم به. يحدث هذا طوال الوقت. ولكن حتى لو أغضبناك، يجب ألا تضعنا أبدًا على نفس القائمة مع الإرهابيين أو تجار المخدرات.” هذا التصريح موجه بشكل واضح إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي كان في قلب فرض هذه العقوبات. من هنا تكمن أهمية استقلالية المحكمة الجنائية الدولية لضمان تحقيق العدالة دون ضغوط سياسية.

إمكانية المحاكمة الغيابية

أكد نیانغ أن المحكمة قد تفكر في عقد جلسة محاكمة غيابية ضد شخصيات بارزة مستهدفة من قبل المحكمة، ومنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. هذه الخطوة تُظهر تصميم المحكمة على المضي قدمًا في عملها، حتى في مواجهة التحديات والعقوبات.

تأتي هذه التصريحات في سياق تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الوضع في فلسطين، والذي يشمل جرائم حرب محتملة ارتكبت في غزة والضفة الغربية. التحقيق في فلسطين يمثل نقطة خلاف رئيسية بين المحكمة الجنائية الدولية والولايات المتحدة، التي تعارض بشدة أي تحقيق يمس إسرائيل. لذلك، فإن هذه التصريحات تحمل دلالات قوية حول استعداد المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة الضغوط السياسية. المحكمة الجنائية الدولية تسعى لفرض سيادة القانون بغض النظر عن الضغوط.

ردود الفعل الدولية والمستقبل

أثارت هذه التصريحات ردود فعل متباينة على الساحة الدولية. فقد أعربت بعض الدول والمنظمات عن دعمها للمحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن العقوبات الأمريكية تمثل انتهاكًا لسيادة القانون. بينما دافعت الولايات المتحدة عن قراراتها، مؤكدة أن العقوبات تهدف إلى حماية مصالحها الوطنية ومنع المحكمة من تقويض جهود السلام والأمن.

تظل قضية العقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية مثيرة للجدل. أهمية هذه القضية تكمن في مبدأ العدالة الدولية، الذي يواجه تحديات كبيرة في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة. من الواضح أن التحديات أمام المحكمة كبيرة، لكنها مصممة على الاستمرار في عملها، محاولةً تحقيق العدالة للضحايا في جميع أنحاء العالم. الوضع يتطلب حواراً بناءً بين الأطراف المعنية، مع احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية ودورها في تعزيز سيادة القانون. التحقيق في جرائم الحرب هو جوهر عمل المحكمة.

خلاصة:

تصريحات نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، مام ماندیای نیانغ، تلقي الضوء على التوتر المتزايد بين المحكمة والولايات المتحدة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على مسؤوليها. هذه العقوبات لا تؤثر فقط على عمل المحكمة، بل تمتد لتشمل حياة المسؤولين وأسرهم، مما يثير تساؤلات حول تسييس العدالة وتقويض مبدأ المساءلة الجنائية الدولية. ندعو القراء لمشاركة هذا المقال لإثارة النقاش حول أهمية العدالة الدولية واستقلالية المحكمة الجنائية الدولية.

شاركها.