في الساعات الأولى من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو اليوم المحفور الآن في سجلات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تحطم الوضع الراهن. وكما هو الحال مع التجربة الأمريكية في فيتنام، حيث شكل هجوم تيت نقطة تحول، تجد إسرائيل نفسها في مأزق غريب – فهي تسيطر على معظم قطاع غزة على الأرض ولكنها تتعثر في حرب الروايات والمكانة الأخلاقية. بعد مقتل سبعة من عمال الإغاثة، معظمهم أجانب، من منظمة المطبخ المركزي العالمي (WCK)، والمكالمة اللاحقة بين نتنياهو وبايدن، حيث طالب الأخير بوقف فوري للحرب في غزة وألمح إلى تغيير في الولايات المتحدة “فيما يتعلق بالوضع الراهن، يعود السؤال الأكثر إلحاحا حول خسارة إسرائيل الاستراتيجية في هذه الحرب: إلى أي مدى وضعت أحداث 7 أكتوبر وتداعياتها إسرائيل أمام واقع عالمي جديد، أصبحت فيه أكثر انكشافا وعزلة، في حين أن الحق الفلسطيني أقوى وأوضح؟
إن هزيمة إسرائيل الاستراتيجية اليوم لا تتعلق بخسارة الأرض، بل بخسارة الخطاب والشرعية الدولية. لقد كان وجود إسرائيل يعتمد على قدرتها على إقناع المجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية، بحقها في إقامة وطن على الأرض الفلسطينية. وقد تم تحقيق ذلك بشكل رئيسي بطريقتين:
الأول كان من خلال الدعاية الهائلة، مع التركيز على فكرة أن فلسطين هي “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وأن إنشاء وطن لليهود كان الوسيلة الوحيدة لحمايتهم كعرق بعد المحرقة.
اقرأ: نيكاراغوا تطلب من محكمة العدل الدولية وقف صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل
أما المسار الثاني، فيتضمن استخدام تهمة “معاداة السامية” لخنق أي انتقاد لإسرائيل، ومحاكمة كل من يرفض احتلالها تحت هذا الغطاء. ومع ذلك، فإن الواقع بعد 7 أكتوبر يبدو مختلفًا تمامًا. وفي مواجهة المجازر الإسرائيلية المروعة والبث المباشر لعمليات القتل، فقدت الرواية الإسرائيلية قدرتها على الإقناع. ولم تعد الدول الغربية قادرة على نشر قانون معاداة السامية ضد من يدين الإبادة الجماعية.
تواجه الحكومات الغربية تناقضات شديدة؛ فمن ناحية، يسعون إلى دعم إسرائيل وضمان بقائها، بينما من ناحية أخرى، فإنهم يشهدون وضع قيمهم الغربية الليبرالية تحت اختبار صارم.
إن التاريخ الحديث، حيث واجهت دول مختلفة أشكالاً مختلفة من الاحتلال، يوضح أن النصر في المعركة لا يعني الكثير عندما تُخسر حرب القلوب والعقول. وعلى نحو مماثل، وعلى الرغم من قوتها العسكرية، فإن إسرائيل تقف على مفترق طرق، حيث شوهت صورتها وأصبحت مكانتها الأخلاقية محل شك على المستوى الدولي. لقد أصبح الدعم الغربي لإسرائيل خجولاً، في حين تشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة إلى أن الجيل الجديد يشكك في حق إسرائيل في إقامة وطن على حساب الشعب الفلسطيني.
لم يكن يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) مجرد يوم آخر من أيام الصراع، بل كان بمثابة كشف عن نقاط ضعف إسرائيل – العسكرية والأخلاقية على حد سواء. ومع وقوع أكثر من 110 آلاف ضحية، بما في ذلك 34 ألف قتيل، معظمهم من النساء والأطفال، أصبحت أنظار العالم حرجة. إسرائيل، التي كان يُنظر إليها ذات يوم على أنها مجموعة من الناجين من المحرقة الذين يبحثون عن ملجأ وأمان، تقف الآن أمام محكمة العدل الدولية متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية وفظائع أثارت الإدانة حتى من حليفتها القوية، الولايات المتحدة، التي تجد نفسها الآن غير قادر على الدفاع علانية عن أفعاله. وذهبت أمريكا إلى حد الامتناع عن التصويت أو استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لعرقلة الدعوات لوقف إطلاق النار، وهو ما يراه الكثيرون في إسرائيل “هزيمة استراتيجية أخرى” وتحولًا كبيرًا في الديناميكيات الدولية، يذكرنا بالعزلة التي تواجهها أمريكا. خلال المراحل الأخيرة من حرب فيتنام.
تاريخياً، بُنيت رواية إسرائيل على الوعد بتوفير ملاذ آمن لليهود، وهو ما تم تبريره من خلال روايات المعاناة والبقاء. ومع ذلك، فإن أحداث 7 أكتوبر وما تلاها كشفت عن فراغ أخلاقي صارخ في قلب سياسات إسرائيل وأعمالها العسكرية، مما أعاد إلى الأذهان مرة أخرى الأيام الأولى للنكبة الفلسطينية قبل 76 عامًا، عندما قامت العصابات الصهيونية مثل الهاجاناه والإرغون ونفذت ليحي عمليات إبادة وتطهير عرقي، مما أجبر ما يقرب من مليون فلسطيني على الفرار من منازلهم، بينما قُتل وجُرح عشرات الآلاف. لكن المفارقة أن تلك المشاهد جرت بعيدا عن وسائل الإعلام، في حين أن الإبادة الحالية يشهدها العالم ويشاهدها على الهواء مباشرة.
وهذا يسلط الضوء أيضًا على فشل المسار الإسرائيلي الحالي المتمثل في استخدام القوة الساحقة في معالجة القضايا الجذرية للصراع، مما يمثل هزيمة استراتيجية أخرى لإسرائيل.
أصداء الماضي يتردد صداها بصوت عال، في أمثلة مثل معركة الجزائر، حيث لم يكن من الممكن ترجمة انتصار الجيش الفرنسي إلى فوز سياسي بسبب الآثار الأخلاقية والدولية لأفعالهم. وتجد إسرائيل نفسها في مأزق مماثل، حيث تطغى على نجاحاتها التكتيكية الأخطاء الاستراتيجية الفادحة المتمثلة في فشلها في التنبؤ بتآكل أسسها الأخلاقية الرفيعة ووحدة الإدانة العالمية.
اقرأ: WCK: “لا يستطيع الجيش الإسرائيلي التحقيق بشكل موثوق في فشله في غزة”
لا يوجد ما يشير إلى تغير حقيقي على مستوى المواقف الدولية الرسمية، لكن الواقع بعد ستة أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة أفضل بالنسبة للقضية الفلسطينية على المديين القصير والمتوسط، وأكثر صعوبة وتعقيدا بالنسبة للقرار الإسرائيلي. صانع. ويؤكد تدفق الدعم الدولي لفلسطين أن الإجماع العالمي ضد القمع بدأ يتشكل تحت ضغط الشوارع وتأثير الناشطين وشهود العيان على منصات التواصل الاجتماعي الذين نجحوا في كسر الصورة النمطية في وسائل الإعلام الغربية تجاه فلسطين. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن الإدانة واسعة النطاق لإسرائيل، إلى جانب الدعوات لإقامة دولة فلسطينية، تعكس التحول في المواقف العالمية تجاه النظام الاستعماري والقمعي في إسرائيل. إن موقف المجتمع الدولي، الذي كان متذبذبا ذات يوم، أصبح الآن يتوافق بقوة مع مبادئ تقرير المصير وحقوق الإنسان، مما يشير إلى تحول كبير في المد السردي لصالح القضية الفلسطينية.
إن هزيمة إسرائيل الاستراتيجية لا تتلخص في خسارة معركة واحدة، بل في انهيار أساسها الأخلاقي والسرد الذي طالما نشرته. وكما حدث في فيتنام، حيث لم تنكسر الروح الأمريكية بسبب الهزيمة بل بسبب إدراك العواقب الأخلاقية لأفعالهم، فإن إسرائيل تقف عند مفترق طرق. وعليها أن تختار بين الاستمرار في طريق العزلة الأخلاقية أو احتضان فصل جديد يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته. كلا الخيارين يبدوان خارج جاهزية صانع القرار الإسرائيلي بعد مفاجأة 7 أكتوبر. إن استمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي لن يكون مقبولا دوليا مع تزايد القلق من اتساع الصراع، ومن ناحية أخرى، فإن منح الفلسطينيين حقوقهم يصطدم برغبات اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسيطر على دوائر صنع القرار.
بالنسبة للفلسطينيين، فإن يوم 7 أكتوبر يتجاوز الصعوبات المباشرة والألم والغضب الناجم عن المجازر الإسرائيلية؛ وتبرز كلحظة فارقة حيث يميل ميزان الصراع لصالحهم، مما يمثل تحولا كبيرا نحو العدالة وتقرير المصير ودفع العالم إلى الاعتراف بحقوقهم كخطوة على طريق التحرير الشامل للأرض الفلسطينية.
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.
