ومع تحول معظم قطاع غزة إلى أنقاض نتيجة عشرة أشهر من الحرب، أصبح إحصاء القتلى يشكل تحدياً لوزارة الصحة في القطاع الذي تديره حركة حماس، في حين يقترب عدد القتلى من 40 ألف شخص.
وشككت إسرائيل مرارا وتكرارا في مصداقية الأرقام اليومية التي تنشرها الوزارة، كما فعل الرئيس الأمريكي جو بايدن الشيء نفسه في المراحل الأولى من الحرب.
لكن العديد من وكالات الأمم المتحدة التي تعمل في غزة قالت إن هذه الأرقام موثوقة، وكثيراً ما تستشهد بها المنظمات الدولية.
– جمع البيانات –
وشاهد مراسلا وكالة فرانس برس مرافق صحية تقوم بإدخال الوفيات في قاعدة بيانات الوزارة.
ويقوم مسؤولو الصحة في غزة أولاً بتحديد هوية جثث القتلى، من خلال التعرف البصري على هوية أحد الأقارب أو الأصدقاء، أو من خلال استعادة المتعلقات الشخصية.
ويتم بعد ذلك إدخال معلومات المتوفى في قاعدة البيانات الرقمية لوزارة الصحة، والتي تتضمن عادة الاسم والجنس وتاريخ الميلاد ورقم الهوية.
عندما لا يمكن التعرف على الجثث بسبب عدم إمكانية التعرف عليها أو عندما لا يطالب بها أحد، يقوم الموظفون بتسجيل الوفاة تحت رقم، إلى جانب جميع المعلومات التي تمكنوا من جمعها.
يتم جمع وتصوير أي علامات مميزة قد تساعد في التعرف عليها لاحقًا، سواء كانت عناصر شخصية أو علامة ولادة.
– السجل المركزي –
وأصدرت وزارة الصحة في غزة عدة بيانات تحدد فيها إجراءاتها في إحصاء عدد القتلى.
وفي المستشفيات العامة الخاضعة للإشراف المباشر لحكومة حماس في القطاع، يتم إدخال “المعلومات الشخصية ورقم الهوية” لكل فلسطيني يقتل خلال الحرب في قاعدة بيانات المستشفى بمجرد الإعلان عن وفاته.
ويتم بعد ذلك إرسال البيانات إلى السجل المركزي بوزارة الصحة بشكل يومي.
وبالنسبة للوفيات في المستشفيات والعيادات الخاصة، يتم تسجيل بياناتها على نموذج يجب إرساله إلى الوزارة خلال 24 ساعة لإضافته إلى السجل المركزي، بحسب بيان للوزارة.
وأضاف البيان أن “مركز المعلومات” التابع للوزارة يقوم بعد ذلك بالتحقق من البيانات المدخلة “للتأكد من عدم احتوائها على أي تكرارات أو أخطاء”، قبل حفظها في قاعدة البيانات.
كما تحث السلطات الفلسطينية سكان غزة على الإبلاغ عن أي وفيات بين أفراد أسرهم على موقع حكومي مخصص لذلك. وتستخدم الوزارة هذه البيانات للتحقق من صحة هذه البيانات.
ويتكون طاقم الوزارة من موظفين مدنيين يخضعون للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وكذلك للحكومة التي تقودها حماس في غزة.
– “ارتباط عالي” –
وأظهر تحقيق أجرته منظمة “إيرويز”، وهي منظمة غير حكومية تركز على تأثير الحرب على المدنيين، تحليل البيانات المدخلة لـ 3000 من القتلى، ووجد “ارتباطا وثيقا” بين بيانات الوزارة وما أفاد به المدنيون الفلسطينيون عبر الإنترنت، حيث ظهرت 75 في المائة من الأسماء المبلغ عنها علناً أيضاً في قائمة الوزارة.
وخلصت الدراسة إلى أن أرقام الوزارة أصبحت “أقل دقة” مع استمرار الحرب، وهو التطور الذي أرجعته إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية الصحية نتيجة للحرب.
على سبيل المثال، في مستشفى ناصر في جنوب غزة، وهو أحد المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل جزئياً على الأقل، لا يزال يعمل 50 جهاز كمبيوتر فقط من أصل 400 جهاز، كما قال مديره عاطف الحوت لوكالة فرانس برس.
وتنتقد السلطات الإسرائيلية بشكل متكرر أرقام الوزارة لفشلها في التمييز بين المقاتلين والمدنيين. لكن الجيش ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا ينكران حجم العدد الإجمالي للقتلى.
وتشير تقديرات المكتب الصحفي لحكومة حماس في غزة إلى أن ما يقرب من 70% من القتلى البالغ عددهم نحو 40 ألف شخص هم من النساء (حوالي 11 ألف امرأة) أو الأطفال (16300 طفل على الأقل).
وقالت العديد من وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إن أرقام الوزارة موثوقة.
وقال فيليب لازاريني، رئيس الوكالة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: “في الماضي ــ خلال دورات الصراع الخمس أو الست في قطاع غزة ــ كانت هذه الأرقام تعتبر ذات مصداقية ولم يشكك أحد في هذه الأرقام على الإطلاق”.
وتشير دراسة أجرتها مجلة “لانسيت” الطبية البريطانية إلى أن 186 ألف حالة وفاة يمكن أن تعزى إلى الحرب في غزة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة للأزمة الإنسانية التي أثارتها.
اندلعت الحرب في غزة ردا على الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذي أسفر عن مقتل 1198 شخصا، معظمهم من المدنيين، وفقا لإحصاءات وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية.