كان خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للشعب اللبناني قبل قصف بلاده مشابهاً بشكل مخيف للخطاب المرتبط عادة بغزة. فقد قال للبنانيين إن حزب الله يستخدمهم كدروع بشرية ويخفي الأسلحة في منازلهم؛ وقد جعل نتنياهو هذا الخطاب يبدو مألوفاً أكثر من خلال ذكر غرف عائلية محددة: “الصواريخ في غرف معيشتكم والقذائف في مرآبكم”. ولتأكيد إفلات إسرائيل من العقاب في لبنان بعد أن أمر الشعب اللبناني بالفرار من قنابل جيشه، أضاف نتنياهو: “لا تسمحوا لحزب الله بتعريض حياتكم للخطر”. ومع ارتفاع حصيلة القتلى الإسرائيليين في لبنان، تم تهجير ما يقرب من 500 ألف لبناني قسراً من منازلهم في غضون يومين. ويمكن إضافة هذا إلى 1.9 مليون مدني فلسطيني أجبروا على النزوح من منازلهم في غزة على يد إسرائيل.

وفي الوقت نفسه، لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام أسلوبها الخاص في التعامل مع غزة، فأقرت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهذه المرة من حزب الله. وقال المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي جون كيربي: “لا ينبغي لأي دولة أن تعيش في ظل هذه التهديدات عبر حدودها، وعلى مقربة من حدودها”.

ماذا عن الناس الذين لن يضطروا للعيش مع التهديدات الإسرائيلية على حدودهم أو في منازلهم، يا سيد كيربي؟

لقد غزت إسرائيل لبنان خمس مرات على الأقل منذ أواخر السبعينيات، ناهيك عن الغارات الجوية العديدة.

والآن يكشف الدبلوماسيون أن الإبادة الجماعية التي شهدتها غزة ليست سوى بداية للفوضى في الشرق الأوسط، وأن النموذج الإنساني هو السبيل الوحيد أمامهم للتظاهر بالقلق السياسي. ولقد دعم العالم تصرفات إسرائيل بكل وضوح، حتى وصل الأمر إلى حد أن النموذج الإنساني الفاشل ظل في صدارة الأجندة الدولية، ونادراً ما يتم تسليط الضوء على هذا التناقض.

الأونروا: 625 ألف طفل في غزة يعانون من “صدمة نفسية عميقة”

إن المجتمع الدولي يديم هذا التناقض بين العنف الاستعماري والحرب والإبادة الجماعية والمساعدات الإنسانية. فالأولى هي التي تحكم وتدر الأرباح. أما المساعدات الإنسانية، من ناحية أخرى، فتعمل مثل مؤسسة خيرية منقرضة لضمان استمرار النازحين في الانشغال بمحاولة البقاء على قيد الحياة إلى الحد الذي يمنعهم من القيام بأي شيء غير لائق ضد المسؤولين عن وضعهم. فهم يواجهون كفاحاً يومياً للبقاء على قيد الحياة في مواجهة العدوان الإسرائيلي والقنابل والتعاون من جانب المجتمع الدولي الذي يسمح لإسرائيل بالقضاء على كل من تختاره لتحقيق مكاسب إقليمية. إن “إسرائيل الكبرى” هي الهدف الصهيوني.

والآن نرى أن التحدث علناً ضد انتهاكات القانون الدولي أصبح جريمة، وأن تعليم الناس عدم التحدث علناً أصبح أمراً طبيعياً؛ وفي المقابل، فإن تطبيع التواطؤ في الإبادة الجماعية والتهجير القسري يكمل الدورة. ويُقال لنا إن زعماء العالم يجب أن يُسمح لهم بالتحدث والقيادة دون انقطاع، وسوف يقررون أي دولة يجب ذبحها وتهجيرها وإجبارها على العيش في ملاجئ مؤقتة أثناء البحث عن الطعام، وانتظار وقفة مؤقتة في المذبحة لتلقي لقاحات شلل الأطفال ثم قتلها في وقت لاحق؛ والسماح لإسرائيل بالسيطرة على حياة وموت المدنيين، وكل ذلك لأن المجتمع الدولي يعرض المساعدات الإنسانية في مقابل الصمت. وبالنسبة للضحايا، فإن النموذج الإنساني فشل على العديد من المستويات، وهو ترخيص لإسكات الانتقادات ودعوة مفتوحة للتشريد الدائم والقتل العمد.

ولكن كيف يمكننا أن نعتبر المساعدات الإنسانية نموذجاً سياسياً؟ كيف يمكن اعتبار الحد الأدنى من الحماية من البرد القارس إجراءً مقبولاً، في حين لا توفر الخيام الحماية من القنابل والرصاص؟ ولماذا يصبح من المقبول أن تتمكن الدول التي تدعم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وحربها في لبنان من تحديد من يحصل على المساعدات الإنسانية، ومتى؟

وقد قدرت مجموعة الإيواء التي يقودها المجلس النرويجي للاجئين أن الأمر سيستغرق أكثر من عامين حتى تتمكن وكالات الإغاثة من تسليم 25 ألف مجموعة من أدوات العزل إلى غزة بالمعدل الحالي الذي يبلغ حمولة شاحنتين في الأسبوع. وفي مواجهة استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح ــ فقد ضلل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الكونجرس بشأن منع إسرائيل للمساعدات إلى غزة، على سبيل المثال ــ مما أدى إلى الموت البطيء للمستفيدين المقصودين منها، فلماذا يلتزم العالم الصمت؟ إننا في احتياج إلى فضح نفاق النموذج الإنساني.

رأي: مجموعة الاتصال بشأن غزة: النفاق العربي الإسلامي في أبهى صوره

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.