تصاعد التوتر بين القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية حول تحميل المسؤولية عن إخفاقات السابع من أكتوبر 2023، مع اتهام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتنصل من اللوم. وأصبحت المظاهرات الأسبوعية ضد قيادة نتنياهو للحرب التي استمرت عامين في غزة، والمطالبة بإعادة الرهائن، رمزًا للغضب المتصاعد داخل أجزاء من المجتمع الإسرائيلي بشأن طريقة التعامل مع الهجوم وتداعياته.
أزمة المسؤولية: نتنياهو تحت الضغط بعد فشل 7 أكتوبر
يدعو جزء كبير من الرأي العام الإسرائيلي – دون جدوى – إلى تحقيق مستقل في الأحداث التي سبقت هجوم حماس في عام 2023، والذي أسفر عن مقتل 1221 شخصًا. وتُظهر استطلاعات الرأي أن أكثر من 70 بالمائة من الإسرائيليين يريدون تشكيل لجنة تحقيق حكومية، وهو ما تم اللجوء إليه في الماضي للتحقيق في الإخفاقات الحكومية الكبرى. فمثلاً، أدت اللجنة التي تم تشكيلها بعد حرب أكتوبر 1973 إلى استقالة رئيسة الوزراء غولدا مئير في يونيو 1974.
معارضة المحكمة العليا وتأجيل التحقيق
إن قرار تشكيل لجنة تحقيق يقع على عاتق الحكومة، ولكن يجب أن يتم تعيين أعضائها من قبل رئيس المحكمة العليا. وقد اتهم الائتلاف الحكومي اليميني لنتنياهو المحكمة العليا بالتحيز السياسي. وبعد مرور أكثر من عامين على هجوم حماس، لم يتم تشكيل مثل هذه اللجنة، ورفض نتنياهو الفكرة مرة أخرى في البرلمان في العاشر من نوفمبر، متهمًا المعارضة بالسعي لتحويلها إلى “أداة سياسية”.
نتنياهو، البالغ من العمر 76 عامًا، ليس غريبًا عن فن البقاء السياسي. وهو أطول رئيس وزراء خدمة في تاريخ إسرائيل، حيث قضى أكثر من 18 عامًا في المنصب على مدى ثلاث ولايات منذ عام 1996. “نتنياهو لا يتحمل مسؤولية أي شيء، دائمًا ما يكون خطأ شخص آخر”، هذا ما قاله يوسي ميكيلبرغ، خبير في الشرق الأوسط في مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن. وأضاف: “إن فكرة أنه بعد عامين من ذلك، لا يوجد تحقيق، وأنه حاول التهرب منه – معظم الإسرائيليين لن يتقبلوا ذلك”.
إقالة جنرالات وتصعيد الخلافات العسكرية
أعلن الجيش الإسرائيلي يوم الأحد عن إقالة ثلاثة جنرالات واتخاذ إجراءات تأديبية ضد العديد من كبار الضباط الآخرين بسبب فشلهم في منع هجوم أكتوبر 2023. وجاء هذا الإجراء بعد أسبوعين من نشر تقرير يراجع التحقيقات الداخلية للجيش في هجمات السابع من أكتوبر. وقام الفريق إيال زامير، رئيس الأركان الإسرائيلي، بتعيين لجنة مستقلة من الخبراء لإجراء المراجعة.
وعند تقديم النتائج في العاشر من نوفمبر، دعا زامير إلى إجراء “تحقيق منهجي” أوسع نطاقًا، لاستخلاص الدروس من الهجوم الشرس في السابع من أكتوبر. ووفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد اعتبرت تصريحاته بمثابة خيانة لنتنياهو، الذي كان زامير مستشارًا عسكريًا له. وردًا على ذلك، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، يوم الاثنين أنه كلف بمراجعة عمل اللجنة. وقد وُصف هذا القرار بسرعة بأنه “مربك” من قبل زامير.
“رجل نعم” وتصاعد التوتر بين الجيش والسياسة
وأكد الجيش في بيان باسم زامير: “الجيش هو الجهة الوحيدة في البلاد التي حققت بشكل كامل في إخفاقاتها وتحملت مسؤوليتها”. وأضاف البيان: “إذا كان هناك حاجة إلى مزيد من الفحص لإكمال الصورة، فيجب أن يكون ذلك في شكل لجنة خارجية موضوعية ومستقلة”.
وفقًا للمحلل المستقل مايكل هورويتز، يُنظر إلى كاتس على أنه “موالٍ سياسيًا، ‘رجل نعم’ نادرًا ما يختلف مع نتنياهو” من قبل الجمهور الإسرائيلي. وأضاف أن الاحتكاك بين النخب السياسية والعسكرية ليس ظاهرة جديدة في عهد نتنياهو، لكن الخلاف الأخير غير عادي في علنيته. “السبب الرئيسي هو أن الأمر لا يتعلق بالشخصيات بقدر ما يتعلق بتقسيم حول من يتحمل مسؤولية السابع من أكتوبر، وكيف يجب تسوية هذا السؤال”.
رفض التحقيق المستقل وتشكيل لجنة حكومية
قال نتنياهو إنه لن يتم تشكيل لجنة تحقيق حكومية قبل نهاية الحرب في غزة. وبدلاً من ذلك، أعلنت الحكومة في منتصف نوفمبر أنها بصدد تشكيل تحقيق “مستقل” في إخفاقات السابع من أكتوبر، لكن تركيبة اللجنة ستختارها لجنة من الوزراء. وقد أثار هذا الإجراء غضبًا في إسرائيل، حيث تجمع آلاف المتظاهرين في تل أبيب يوم السبت للمطالبة بلجنة تحقيق حكومية كاملة.
وقال إيلياد شراجا، رئيس منظمة “حركة الجودة الحكومية” غير الحكومية، في الاحتجاج: “يجب أن تكون لجنة موضوعية”. وأضاف: “لجنة ستكتشف حقًا كيف حدث هذا الفشل، هذه الأزمة”. وحتى الآن، لم يعترف نتنياهو أبدًا بالمسؤولية عن الإخفاقات التي أدت إلى السابع من أكتوبر.
“لديه حافز قوي ومباشر لعدم تحمل المسؤولية”، هذا ما قاله هورويتز. “إن قبول اللوم يعني ترك المنصب. بعد كل شيء، غادر جميع أولئك الذين قبلوا جزءًا من اللوم”. وأكد نتنياهو أنه سيترشح في الانتخابات القادمة، التي ستعقد قبل نهاية عام 2026.
تحليل إضافي: أهمية التحقيق في السابع من أكتوبر
إن التحقيق في السابع من أكتوبر ليس مجرد مسألة محاسبة، بل هو ضرورة حتمية لضمان عدم تكرار هذه الكارثة. إن فهم الأسباب الجذرية للإخفاقات الأمنية والاستخباراتية أمر بالغ الأهمية لتحسين الاستعدادات المستقبلية وحماية الأمن القومي الإسرائيلي. كما أن الشفافية في التحقيق ضرورية لاستعادة ثقة الجمهور في المؤسسات الحكومية والعسكرية. إن التحقيق المستقل هو الضمانة الوحيدة لتقديم نتائج موضوعية وغير متحيزة.
إن استمرار رفض نتنياهو إجراء تحقيق شامل يثير تساؤلات جدية حول التزامه بالمساءلة والشفافية. ويؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي وتقويض جهود المصالحة الوطنية. إن الوضع السياسي الحالي يتطلب قيادة قوية وقادرة على تحمل المسؤولية، وهو ما يفتقده الإسرائيليون في ظل قيادة نتنياهو.
