تتعرض مؤسسة “Heritage Foundation” المحافظة الأمريكية البارزة لأزمة حادة، حيث شهدت استقالة أو إقالة أكثر من اثني عشر موظفًا في الأيام الأخيرة، وذلك على خلفية اتهامات بالتقارب مع شخصيات تُتهم بمعاداة السامية. هذه الأحداث تضع المؤسسة في دائرة الضوء وتثير تساؤلات حول مستقبلها وتأثيرها. وتعد هذه القضية بمثابة اختبار لقيم المؤسسة واستقلاليتها الفكرية، خاصة مع تصاعد التوترات السياسية في الولايات المتحدة.
مؤسسة Heritage Foundation في مرمى الاتهامات: صراع على الهوية والمبادئ
بدأت الأزمة في أكتوبر الماضي، عندما استضاف تكر كارلسون، الإعلامي السابق بقناة فوكس نيوز، نيك فوينتس، المعروف بآرائه القومية المتطرفة. ركز الحوار بينهما على معارضتهما للدعم الأمريكي لإسرائيل، وهو موقف يتعارض مع آراء العديد من المحافظين التقليديين.
أثار هذا اللقاء غضب بعض الداعمين للمؤسسة، الذين دعوا إلى قطع العلاقات مع كارلسون، واصفين آراءه بأنها معادية للسامية. ومع ذلك، استمر كيفن روبرتس، رئيس المؤسسة، في دعم كارلسون علنًا، واصفًا إياه بأنه صديق. بينما يرفض كارلسون بشدة أي اتهامات بمعاداة السامية.
استقالات متتالية وتعزيز الاتهامات بالتقارب مع أفكار متطرفة
تصاعدت الأزمة مع استقالة عدد من الشخصيات البارزة المرتبطة بالمؤسسة. من بين المستقيلين جوش بلاكمان، أستاذ القانون الذي ساهم في “مشروع 2025″، وهي مبادرة سياسية يمينية متطرفة تشرف عليها مؤسسة Heritage.
في رسالة استقالته التي نشرها عبر الإنترنت، ألقى بلاكمان باللوم على روبرتس في جعل العلامة التجارية لـ Heritage “سامة”. وأضاف: “لقد قمت بمواءمة مؤسسة Heritage مع المد المتصاعد لمعاداة السامية على اليمين”.
ردود فعل متباينة وتصريحات مثيرة للجدل
دافع روبرتس عن دعمه لكارلسون في مقطع فيديو نشره في 30 أكتوبر، مشيرًا إلى أن “تحالفًا مسمومًا” يهاجم كارلسون بسبب مقابلته مع فوينتس. وشدد روبرتس على أنه لا ينبغي على المحافظين أن يشعروا بالالتزام بدعم أي حكومة أجنبية، بغض النظر عن الضغوط من “الطبقة العالمية”.
لاحقًا، اعتذر روبرتس عن استخدامه مصطلح “تحالف مسموم”، معترفًا بأن زملائه اليهود قد فهموا ذلك على أنه تلميح معادي للسامية. لكنه أكد أنه يرفض “إلغاء الأصدقاء” مثل كارلسون.
خلال اجتماع مفتوح لموظفي المؤسسة في 5 نوفمبر، أوضح روبرتس أن نيته لم تكن تأييد فوينتس، الذي وصفه بأنه “شخص شرير”، بل “تحويل” جزء من جمهوره الذي يضم عدة ملايين من الأشخاص، دون الخوض في التفاصيل.
في مقطع فيديو مسرب من الاجتماع، أعرب أحد موظفي Heritage عن دعمه لروبرتس، مشيرًا إلى أن جيل Z لديه نظرة سلبية متزايدة تجاه إسرائيل. بينما أشار آخران إلى أن كارلسون “معادي للسامية” ويجب على المؤسسة التنصل منه.
تداعيات أوسع: استقالات من مجلس الأمناء وانضمام موظفين سابقين إلى جهات أخرى
لم تقتصر تداعيات الأزمة على الموظفين، حيث استقال ثلاثة من أعضاء مجلس أمناء مؤسسة Heritage احتجاجًا على هذه القضية. استقال روبرت جورج، أستاذ القانون في جامعة برينستون، في نوفمبر بسبب رفض روبرتس سحب مقطع الفيديو الذي يدافع فيه عن كارلسون.
في وقت سابق من هذا الشهر، استقال شين ماكولار، وهو مدير تنفيذي سابق في شركة ماكدونالدز، وآبي سبنسر موفات، الرئيس التنفيذي لمؤسسة ديانا سبنسر ديفيد، وهي واحدة من أكبر الجهات المانحة لمؤسسة Heritage. وأرجع كلاهما استقالتهما إلى فشل المؤسسة في إدانة معاداة السامية، وفقًا لبيانات الاستقالة التي نشرتها Mediaite.
من ناحية أخرى، أعلنت منظمة “Advancing American Freedom” المحافظة، المنافسة لحركة MAGA التي يقودها الرئيس السابق دونالد ترامب، وفي بيان لها يوم الاثنين، عن انضمام 13 موظفًا سابقًا من Heritage إليها.
صراع داخلي حول مستقبل التيار الجمهوري أم مجرد خلافات شخصية؟
يرى بعض موظفي Heritage الباقين أن الاستقالات الأخيرة كانت مدفوعة بشكل أكبر بالصراعات الداخلية للحزب الجمهوري وليس بمعاداة السامية أو قضية إسرائيل. ونشر روبي ستارباك، زميل في المؤسسة، تغريدة عبر الإنترنت مفادها: “هذه الاستقالات لها علاقة أكبر بعام 2028 منها بأي شيء آخر. هناك مجموعة تريد العودة إلى الحزب الجمهوري في عهد بينس ورايان، والبقية تريد الانضمام إلى MAGA مع كيفن روبرتس.”
إن هذه القضية تلقي بظلالها على مؤسسة Heritage، وتكشف عن انقسامات عميقة داخل الحركة المحافظة الأمريكية. وستحتاج المؤسسة إلى معالجة هذه القضايا بجدية لاستعادة ثقة داعميها والحفاظ على مصداقيتها. مؤسسة Heritage تواجه تحديًا حقيقيًا في تحديد مسارها المستقبلي في ظل هذه الظروف المتغيرة. التعامل مع هذه الأزمة سيحدد ما إذا كانت التيار المحافظ سيستمر في تمثيل قيمًا شاملة أم سينزلق نحو التطرف. من الضروري متابعة التطورات المتعلقة بـ الجدل الدائر حول المؤسسة وتقييم تأثيره على المشهد السياسي الأمريكي.
