تصاعد الاحتجاجات في اللاذقية: تطالب بالفيدرالية وتُسفر عن قتلى وجرحى

اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في مدينة اللاذقية الساحلية، معقل الطائفة العلوية في سوريا، يوم الأحد، تطالب بنظام سياسي لامركزي وإطلاق سراح المعتقلين من أبناء الطائفة. تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف وإطلاق نار، أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من أربعين آخرين، وفقًا لمكتب الإعلام في محافظة اللاذقية. تأتي هذه الأحداث في سياق التوترات الطائفية المتزايدة التي تشهدها سوريا منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في عام 2022، واستبداله بحكومة يقودها سُنّة. هذه التطورات تلقي الضوء على المطالب المتزايدة بالفيدرالية في سوريا كحل للأزمة المستمرة.

مطالب الفيدرالية تتصدر المشهد

تجمع الآلاف من المتظاهرين في ساحة الأزهري بمدينة اللاذقية، رافعين شعارات تطالب بالفيدرالية في سوريا، وهو نظام يمنح المحافظات صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها الداخلية. كما طالبوا بإطلاق سراح آلاف المعتقلين من الطائفة العلوية، الذين يزعمون أنهم تعرضوا للاعتقال التعسفي والاضطهاد على خلفية طائفية.

تصريحات المتظاهرين

“جئنا للمطالبة بكرامتنا، وحقنا في العيش، جئنا للمطالبة بفيدرالية سياسية مثل الدول الكبرى كالولايات المتحدة وألمانيا والإمارات”، هذا ما قاله سلمان منصور، أحد المتظاهرين، في حديث لوكالة رويترز. وأضاف: “جئنا لنطلب حقنا في الحياة بعد أن قُتلنا في أرضنا”. متظاهرة أخرى، نسرين خازم، أكدت على استمرار المطالبة بالفيدرالية، قائلة: “سنواصل المطالبة بالفيدرالية من أجل كرامتنا. يقولون إننا نكره بعضنا البعض – هذا ليس صحيحًا!”.

تطورات الأحداث وإطلاق النار

بعد حوالي ساعتين من بدء الاحتجاجات، اندلعت أصوات إطلاق نار من جهة غير محددة، وفقًا لما أفاد به مراسل وكالة رويترز في مكان الحادث. ردًا على ذلك، أطلقت قوات الأمن أعيرة نارية في الهواء، مما أدى إلى حالة من الفوضى والذعر بين المتظاهرين. بدأ المتظاهرون في حمل الجرحى وإخلائهم من المنطقة.

بيان مكتب الإعلام في اللاذقية

أصدر مكتب الإعلام في محافظة اللاذقية بيانًا رسميًا أكد فيه مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من أربعين آخرين. لم يحدد البيان ما إذا كانت جميع الضحايا سقطوا في ساحة الأزهري، أو في بلدات أخرى شهدت احتجاجات مماثلة.

روايات متضاربة حول مصدر إطلاق النار

بينما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بمقتل أحد أفراد قوات الأمن نتيجة إطلاق نار من “بقايا مسلحة من النظام السابق” في اللاذقية، وأشارت إلى إصابة مدنيين وعناصر أمن آخرين بالقرب من ساحة الأزهري، فإن مصادر أخرى لم تحدد هوية مطلق النار. هذا التضارب في الروايات يزيد من تعقيد المشهد ويصعب تحديد المسؤول عن أعمال العنف.

سياق أوسع للاحتجاجات الطائفية

تأتي هذه الاحتجاجات في اللاذقية بعد فترة قصيرة من أحداث مماثلة. ففي نوفمبر الماضي، واجهت مظاهرة مماثلة في اللاذقية مظاهرة مضادة مؤيدة للحكومة السورية الجديدة، واضطرت قوات الأمن إلى استخدام إطلاق النار لتفريق المظاهرتين. كما شهدت مدينة حمص، القريبة من اللاذقية، مقتل ثمانية أشخاص الأسبوع الماضي نتيجة انفجار عبوة ناسفة في مسجد علوي.

هذه الأحداث تعكس استمرار التوترات الطائفية في سوريا، والتي تصاعدت بشكل كبير بعد الإطاحة بالأسد. فقد شهدت البلاد أعمال عنف انتقامية بين الطوائف المختلفة، حيث قُتل أكثر من 1000 علوي في مارس الماضي بعد فشل تمرّد من قبل الموالين للأسد، مما أدى إلى عمليات قتل انتقامية من قبل القوات التابعة للحكومة. الوضع الأمني والإنساني في سوريا لا يزال هشًا للغاية، ويتطلب جهودًا مكثفة من جميع الأطراف لوقف العنف وتحقيق الاستقرار. الوضع السياسي في سوريا يتطلب حلاً شاملاً يراعي مصالح جميع المكونات.

تداعيات المطالبة بالفيدرالية

المطالبة بالفيدرالية في سوريا تثير جدلاً واسعًا، حيث يرى البعض أنها قد تكون الحل الأمثل لضمان حقوق جميع الطوائف والمحافظات، ومنحها المزيد من الاستقلالية في إدارة شؤونها. بينما يخشى آخرون من أن تؤدي الفيدرالية إلى تفكك سوريا وتقسيمها، مما قد يزيد من حدة الصراعات الداخلية. الأزمة السورية تتطلب دراسة متأنية لجميع الخيارات المتاحة، بما في ذلك الفيدرالية، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر والتحديات المحتملة.

الخلاصة

تُظهر الاحتجاجات الأخيرة في اللاذقية عمق الانقسامات الطائفية والسياسية في سوريا، وتؤكد على الحاجة الملحة إلى إيجاد حل سياسي شامل يضمن حقوق جميع السوريين ويحقق الاستقرار. المطالبة بالفيدرالية تعكس رغبة العديد من السوريين في الحصول على المزيد من الحكم الذاتي، ولكن يجب دراسة هذه المطالبة بعناية لتجنب أي تداعيات سلبية على وحدة البلاد. من الضروري أن تتكاتف الجهود الإقليمية والدولية لدعم عملية السلام في سوريا، وتقديم المساعدة الإنسانية اللازمة للمتضررين من الحرب. نأمل أن تشهد سوريا مستقبلًا أفضل، يسوده السلام والعدل والمساواة.

شاركها.