لقد أصبح ممر فيلادلفيا جزءًا مهمًا من المفاوضات الجارية بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية للاتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة. ويصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أن إسرائيل لن تنسحب من الممر الحدودي بين غزة ومصر.

في هذه الأثناء، تصر حماس على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وبالتالي وضع ضغوط استراتيجية على المصريين، باعتبار أن الممر هو منطقة عازلة بموجب معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل في عام 1979.

ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يبدو أن المفاوضات متعثرة حيث لا تزال قضية ممر فيلادلفيا ـ الذي يبلغ طوله 14 كيلومتراً وعرضه 100 متر ـ دون حل.

الشيطان يكمن في التفاصيل، وتفصيل خريطة فيلادلفيا المقترحة حديثاً يمثل فخاً قد ينفجر في أي لحظة، ويعرض المفاوضات للخطر، ويفرض واقعاً جديداً على الحدود، قد تكون له تداعيات خطيرة على الأمن القومي المصري في ظل إصرار نتنياهو على إبقاء الحدود تحت سيطرته.

إن الاقتراح والخريطة اللذان تبناهما مجلس الوزراء الأمني ​​الإسرائيلي، ولم يصوت ضدهما سوى وزير الدفاع يوآف غالانت، مما تسبب في حدوث خلاف بينه وبين نتنياهو، يسمحان بإعادة تمركز الجيش الإسرائيلي على طول الممر من خلال نقاط عملياتية وأبراج مراقبة وقوات مسلحة بكثافة وغطاء جوي إذا لزم الأمر. وبشكل عام، يمثل هذا ضغطًا ليس فقط على جماعات المقاومة الفلسطينية، بل وأيضًا على الجيش المصري.

ويفرض تواجد القوات الإسرائيلية على الحدود بين غزة ومصر قواعد اشتباك جديدة.

وهو ما يشكل انتهاكا للمنطقة العازلة بين مصر وإسرائيل المتفق عليها ضمن اتفاقات كامب ديفيد، وهو ما يعني المزيد من التوتر والمخاطر المتزايدة على الحدود.

وتحرص إسرائيل على عدم الإفصاح عن حجم القوات التي تنوي نشرها في ممر فيلادلفيا، والأسلحة التي ستحملها، وطبيعة مهام المراقبة. كما ترغب إسرائيل في توسيع المنطقة العازلة إلى عمق أكبر داخل فلسطين.

يقرأ: الأزهر يدين العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة

وتتناول المناقشات الجارية عدة نقاط، منها وضع أجهزة استشعار عن بعد، وأنظمة تشغيل وسيطرة، وآليات الإبلاغ عن الخروقات، والوصول الكامل للمعلومات وكاميرات المراقبة، وحرية الحركة ضد عمليات التسلل والاختراق، وهي تفاصيل محددة تسبب التوتر بين الإسرائيليين والمصريين.

وتشير القراءة الأولية للمقترح إلى أن نتنياهو يريد محاصرة الفصائل الفلسطينية وإحكام السيطرة على قطاع غزة من الجنوب من خلال السيطرة على محور فيلادلفي، ووقف أي تسلل عبر الأنفاق الحدودية تحت الأرض، وضمان نزع السلاح في المنطقة، كما يريد السيطرة على محور نتساريم في وسط قطاع غزة، لمنع حماس من إعادة بناء قدراتها.

وتتجاهل الخطة الإسرائيلية تفاهمات اتفاق فيلادلفيا الذي وقعته إسرائيل مع مصر عام 2005، كملحق أمني لاتفاق كامب ديفيد، والذي سمح بنقل السيطرة على المنطقة (د)، التي تضم ممر فيلادلفيا، إلى السلطة الفلسطينية. وجاء الاتفاق بعد موافقة الكنيست الإسرائيلي عام 2004 على انسحاب كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس/آب 2005.

مصر ترفض رفضاً قاطعاً المقترح الإسرائيلي الذي يتحدث عن تواجد وانتشار قوات إسرائيلية على طول محور فيلادلفي.

وقد يؤدي ذلك إلى تشدد القاهرة في المفاوضات المستمرة منذ أشهر.

وفقا للموقع الامريكي أكسيوسوقد رفض المسؤولون المصريون هذه الخطة، وأبلغوا الولايات المتحدة وإسرائيل بأن الخريطة المقترحة غير قابلة للتطبيق. وقبل أيام قليلة، قناة اخبار القاهرةونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) المقربة من المخابرات المصرية عن مصدر رفيع المستوى قوله إن مصر لن تقبل بأي تواجد إسرائيلي على معبر رفح أو محور فيلادلفيا الذي احتله الجيش الإسرائيلي في مايو/أيار الماضي في إطار حربه ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

ويقول لي الخبير السياسي في الشأن الفلسطيني محمد جمال إن قرار البقاء في الممر ورسم خرائط تواجد القوات الإسرائيلية، إلى جانب قرار تعيين حاكم عسكري إسرائيلي للقطاع بحجة الإشراف على الشؤون الإنسانية، يشير إلى عدة أمور: دولة الاحتلال مستعدة للبقاء في غزة لفترة طويلة؛ والنية هي تعطيل أي اتفاق لوقف إطلاق النار؛ وهي تريد منع صفقة تبادل الأسرى؛ وهي تريد فرض واقع جديد على مصر، رغم أن وجود جيش الاحتلال في رفح يتعارض أصلاً مع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

وإذا نجح نتنياهو في تحقيق هذه الأهداف، فسوف تضطر مصر إلى الاستسلام للواقع الجديد على الأرض، وقبول منطقة مفخخة على طول حدودها، وقد تجد نفسها في مرمى النيران أو في اشتباكات حدودية، وهو ما قد يؤدي على الأرجح إلى تورطها في صراعات مستقبلية، خاصة وأن المقاومة الفلسطينية سوف تستهدف قوات الاحتلال في محور فيلادلفيا.

رأي: هل الولايات المتحدة طرف مناسب للقيام بدور الوساطة في غزة؟

إن ضعف موقف مصر منذ بداية الحرب على غزة، وتماهيها مع الرغبة الإسرائيلية في القضاء على حماس، التي تعتبرها القاهرة جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين وتصنفها منظمة إرهابية، شجع نتنياهو على محاولة خلق واقع جديد في رفح والممر، قد يكون من الصعب تغييره من دون تنازلات سرية وعلنية، ربما تتعلق بعمليات مراقبة مشتركة للمحور، أو ربما دفع مصر إلى الموافقة على المشاركة في إدارة الأمن في قطاع غزة في “اليوم التالي” للحرب.

وذكرت صحف إسرائيلية أن مصر والإمارات وافقتا على المشاركة في قوات حفظ السلام في غزة، ضمن ترتيبات “اليوم التالي”، إذا طلبت السلطة الفلسطينية ذلك. وتزامن ذلك مع مفاوضات أجراها وفد من الموساد الإسرائيلي مع مسؤولين في المخابرات المصرية في مدينة العلمين في 5 أغسطس/آب، وزيارة رئيس الإمارات محمد بن زايد إلى العلمين للقاء نظيره المصري عبد الفتاح السيسي.

ولكن البدائل تظل محدودة، في ظل النهج الماكر الذي انتهجه نتنياهو، والذي أعاد مفاوضات وقف إطلاق النار إلى نقطة البداية. بل إنه نجح حتى في إشراك المصريين، وزاد من تعقيد الأمور بسبب الاقتراح الخاص بممر فيلادلفيا، الأمر الذي أدى إلى نشوء موقف متفجر يمكن أن ينفجر في وجه الجميع.

قد يبدو الوجود الإسرائيلي في الممر لصالح تل أبيب، لكن التكلفة العالية لتأمينه، ومستوى الخسائر المتوقعة، يوحي بأنه سيتحول إلى نقطة ساخنة، وربما مستنقع مجازي لجيش الاحتلال وكذلك المصريين، الذين قد ينجرون إلى الصراع في أي لحظة.

وقد تكون هناك أيضًا موجة من النزوح القسري للفلسطينيين إلى سيناء المصرية.

وبحسب الباحث السياسي عمرو المصري، فإن من بين التكتيكات التي يمكن لمصر اللجوء إليها للتعامل بقسوة مع إسرائيل، خطوات دبلوماسية وعسكرية مثل وقف التنسيق الأمني ​​مع الاحتلال، وتجميد التطبيع بين البلدين، واستدعاء السفير المصري من تل أبيب، واللجوء إلى المحاكم الدولية لاتهام الاحتلال بانتهاك اتفاقية كامب ديفيد، وهو ما قد يجبر نتنياهو على سحب اقتراحه المثير للجدل حول فيلادلفيا.

لكن المراقبين لا يستبعدون إمكانية موافقة نظام السيسي على المقترح والتكيف معه، بدعم أميركي، وربما إماراتي أيضاً، مع منح القاهرة امتيازات سرية عسكرية واقتصادية وتنسيق أمني واستخباراتي على أعلى مستوى فيما يتعلق بإدارة الممر. وقد تتوافق مثل هذه الصفقة مع مصالح الطرفين، ولو مؤقتاً، شريطة التزام تل أبيب بالانسحاب من الممر بعد استكمال ترتيباته في غزة.

يديعوت أحرونوت ونقل نتنياهو، الاثنين، عن نتنياهو قوله إن واشنطن والقاهرة وافقتا على اقتراحه، ليرد غالانت قائلا إن الأمر ليس بيدهما بل بيد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحماس منذ اغتيال إسماعيل هنية على يد إسرائيل في نهاية يوليو/تموز الماضي.

وهناك خيارات أخرى قيد المناقشة بطبيعة الحال. ومن بينها الاقتراح الأميركي الذي قدمه وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والذي ينص على وجود قوات دولية فقط في ممر فيلادلفيا لمدة ستة أشهر، مع وجود قوات أميركية وفلسطينية تابعة للسلطة الفلسطينية عند معبر رفح، إذا انسحبت إسرائيل بالكامل من قطاع غزة في ذلك الوقت.

على أية حال، تريد إسرائيل حصار سكان غزة بين محور فيلادلفي ومحور نتساريم وقطعهم تماما من خلال السيطرة على الحدود البرية الوحيدة مع مصر. وسوف تواجه الأخيرة مخاطر جيوسياسية وعواقب وخيمة قد تضع أمنها القومي على حافة وضع متفجر للغاية.

رأي: سجناء مصر يواجهون الموت في زنازين شديدة الحرارة

الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.

شاركها.