تحقيق محتمل في صفقات رقائق أمريكية للإمارات خلال إدارة ترامب
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، عبر مكتب المفتش العام المستقل، عن تلقيها طلبًا من السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن والنائبة إليس سلوتكين للتحقيق في دور مسؤولين بإدارة ترامب في الترويج لبيع تكنولوجيا أمن قومي حساسة للإمارات العربية المتحدة. يأتي هذا الإعلان في ظل تدقيق متزايد حول العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات، خاصة فيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة. رقائق الذكاء الاصطناعي هي محور هذا الجدل المتصاعد، وتثير المخاوف بشأن الأمن القومي الأمريكي واحتمالية وصول هذه التقنيات إلى منافسين مثل الصين.
تفاصيل الطلب والرد الأولي
وفقًا لتقرير نشره موقع “سيمافور”، أشار مكتب المفتش العام في رسالة مؤرخة 12 ديسمبر، إلى استلامه للطلب الخاص بـ”التحقيق في دور كبار المسؤولين في الإدارة في الدعوة إلى بيع تكنولوجيا أمن قومي حساسة للإمارات”. ومع ذلك، الرسالة، التي وصفت بأنها رد فعل قياسي، لم تتعهد بإجراء تحقيق فعلي.
في سبتمبر الماضي، دعت وارن وسلوتكين إلى فتح تحقيق حول كل من ديفيد ساكس، مستشار البيت الأبيض السابق للذكاء الاصطناعي في عهد الرئيس ترامب، والسفير الدبلوماسي ستيف ويتكوف. التحقيق المقترح يهدف إلى كشف المزيد حول الدور الذي لعبه هذان الشخصان في الترويج لبيع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة للإمارات، وما إذا كانا قد استفادا ماليًا من هذه الصفقات.
صفقات مشبوهة وعلاقات مالية
وقد شددت السيناتورة وارن والنائبة سلوتكين على أن ويتكوف وساكس لعبا دورًا محوريًا في قرار إدارة ترامب بتخفيف القيود الأمنية على شحنات أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى دولة الإمارات. وأضافتا أنه لم يتم الكشف عن الروابط المالية بينهما وبين مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، والفوائد الشخصية التي تلقوها من استثمار الشيخ البالغ 2 مليار دولار في العملة المشفرة (stablecoin) التي أطلقها الرئيس ترامب، USD1.
بدأ هذا التدقيق بعد تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، كشف عن لقاء سري بين ويتكوف والشيخ طحنون بن زايد آل نهيان قبالة سواحل سردينيا. خلال هذا اللقاء، يزعم التقرير أن ويتكوف دعا إلى بيع رقائق حاسوبية متطورة للإمارات، في الوقت الذي أعلنت فيه شركته، World Liberty Financial، التي يديرها مع أبناء الرئيس ترامب، عن تلقيها وديعة بقيمة 2 مليار دولار من شركة تابعة للشيخ طحنون.
دور ساكس والاستثمارات الإماراتية والسعودية
لم يقتصر الأمر على ويتكوف، فالتقرير أشار إلى أن ساكس كان أيضًا من أشد المؤيدين لبيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة للإمارات والسعودية. ويضيف التقرير أن صندوق الثروة السيادي لأبوظبي كان من أوائل المستثمرين في شركة Craft Ventures، التي ساعد ساكس في تأسيسها عام 2017. كما كانت صناديق الاستثمار العامة السعودية من بين المستثمرين في هذه الشركة.
في نوفمبر الماضي، وافقت إدارة ترامب على تصدير عشرات الآلاف من رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة من نوع Nvidia إلى شركتي الذكاء الاصطناعي الإماراتية المملوكة للدولة G42، ونظيرتها السعودية Humain.
دوافع مشتريات دول الخليج والمخاوف الأمريكية
على الرغم من أن دول الخليج أبدت اهتمامًا بشراء تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة من الولايات المتحدة خلال فترة إدارة بايدن، إلا أنها لم تتمكن من التغلب على ضوابط التصدير الأكثر صرامة. تطمح السعودية والإمارات إلى استغلال موارد الطاقة الوفيرة والرخيصة لديهما في إنشاء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي وتصدير هذه القدرات الحاسوبية.
تعتبر رقائق الذكاء الاصطناعي من التقنيات “ذات الاستخدام المزدوج” لأنها يمكن استخدامها في التطبيقات المدنية والعسكرية على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، أعرب بعض المسؤولين الأمريكيين عن قلقهم بشأن تصدير التكنولوجيا الأكثر تقدمًا إلى دول الخليج، خشية أن يتم بيعها إلى الصين أو نسخها.
الذكاء الاصطناعي أصبح محط أنظار العديد من الدول، والسعي للحصول على هذه التقنيات يعد سباقًا تسعى فيه كل دولة لتعزيز مكانتها.
تحول السياسة الأمريكية ومزيد من التدقيق
على الرغم من هذه المخاوف، يبدو أن إدارة ترامب أولت الأولوية للمبيعات، نظرًا لكون الخليج سوقًا رئيسيًا لمصدري رقائق الذكاء الاصطناعي بفضل الأراضي الوفيرة وأسعار الكهرباء الرخيصة. وقد ساهم هذا القطاع في ارتفاع أسواق الأسهم الأمريكية هذا العام، على الرغم من المخاوف الأوسع بشأن صحة الاقتصاد العالمي.
تشير تحركات إدارة ترامب إلى أنها لم تكن قلقة بشأن تحذيرات “الصقور الصينيين” في المؤسسة الأمنية القومية. وفي هذا الشهر، وافقت الإدارة الأمريكية على بيع رقائق Nvidia H200 إلى الصين، في صفقة ستحصل بموجبها الحكومة الأمريكية على رسوم بنسبة 25٪ من المبيعات. تجدر الإشارة إلى أن رقائق H200 أقل تطورًا من رقائق Nvidia Blackwell التي تمت الموافقة على تصديرها إلى G42 و Humain.
وفي تطور ذي صلة، دعت السيناتورة وارن والنائب الديمقراطي غريغوري ميكس إدارة ترامب إلى الكشف عن تفاصيل أي موافقات على مراجعات تراخيص مستمرة للمبيعات إلى الصين.
في الختام، فإن طلب التحقيق في صفقات رقائق الذكاء الاصطناعي للإمارات يمثل خطوة مهمة نحو التدقيق في القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب في هذا المجال الحساس. سيكون من المهم متابعة ردود أفعال وزارة الخارجية الأمريكية ومكتب المفتش العام، وما إذا كان سيتم إجراء تحقيق فعلي، لتحديد ما إذا كانت هناك أي مخالفات أو تضارب في المصالح قد حدث. ونأمل أن يساهم هذا التدقيق في ضمان الأمن القومي الأمريكي وحماية التكنولوجيا المتقدمة من الوقوع في الأيدي الخطأ.
